المهمة انتهت. هل تفهم «الدوحة»؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن الرسالة وصلت، وأن العالم كله قد تابع لقاء الأخوة الإنسانية الذي جمع بين قداسة البابا فرانسيس باب الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، على أرض الإمارات، ثم تلقى الوثيقة التاريخية التي وقعها الإمام والبابا في أبوظبي، لتكون دليلاً للمحبة والتسامح، ورسالة تقول بحسم: إن الأديان السماوية بريئة من الإرهاب والتعصب والكراهية، وأن الدين لا يعرف إلا الإخاء والمساواة والتواصل بين البشر.

وصلت الرسالة إلى شعوب العالم كله، التي عانت عصوراً من حروب الكراهية، والتي ما زالت تناضل ضد عصابات الإرهاب، ودعوات التصعب. وصلت الرسالة لتؤكد من جديد، أن الأديان بريئة من كل ذلك، وأن الله لم يرسل رسالاته السماوية، إلا لتكون رحمة وهداية للعالمين.

ورحب العقلاء والأسوياء الذين يزرعون الخير في كل أنحاء العالم بوثيقة أبوظبي، وبلقاء الإمام والبابا على المحبة والإخاء، ورسالتهما التاريخية التي تفتح طاقات من الأمل في غد أفضل للبشر أجمعين. بعيداً عن دعاوى الكراهية وحروب التعصب وجرائم الدمار وسفك الدماء، من عصابات تدعي الدفاع عن الدين. والدين منها براء.

جاءت وثيقة أبوظبي، تحمل رسالة البابا فرنسيس إلى أتباع الكنيسة الأكبر في الغرب المسيحي، بأن الإسلام بريء من كل دعوات التعصب والكراهية، وأن عصابات الإرهاب جاءت لتسيء للإسلام بأكثر مما تسيء للآخرين، ولتقتل من المسلمين أضعاف ما قتلت من الآخرين، ولتدمر دولاً، وتفتك بشعوب لم تعرف الإسلام إلا رسالة للإخاء والمحبة والمساواة بين البشر.

وجاءت وثيقة أبوظبي، لتؤكد من خلال الإمام الأكبر، الذي يقود قلعة الاعتدال والوسطية في الإسلام من الأزهر الشريف. إن الإسلام هو دين الرحمة والمساواة، وأن المسلم الحق، طالب علم، وشريك في بناء الحضارة، وأخ في الإنسانية لكل البشر، وداعم لحق الإنسان في الحياة، ولحريته في التفكير والإبداع والاعتقاد، وأنه «لا إكراه في الدين»، كما أمر الإسلام، ولا استبداد أو تعصب أو كراهية عند الرسالة المحمدية، التي كرمت الإنسان، وجعلته سيداً على مصيره.

وجاءت وثيقة أبوظبي لتقول للعالم: ها هي الأديان السماوية تقول كلمتها من أرض التسامح، التي تقدم نموذجاً نادراً في الإخاء بين البشر، وفي التعاون بين الجميع، في ظل مناخ من التسامح والمحبة، استطاع خلال أقل من نصف قرن، أن يصنع هذه المعجزة على ضفاف الخليج العربي، بفضل ما أرساه المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وبناة الدولة، من قيم إنسانية، جسدت الإيمان الصحيح للإسلام والعروبة، والانحياز للمستقبل، والإدراك العميق بأن البشر هم الأساس، وأن العلم فريضة، وأن الخير سينتصر إذا تمسكنا بإيماننا الكامل بصحيح الدين، وبقيم العلم والحضارة الإنسانية.

وصلت رسالة أبوظبي إلى عالم أنهكته حروب الكراهية والتعصب وجماعات الإرهاب، والمعادين لكل ما هو طيب ورائع في هذا العالم.

لكن الأهم.. أن الرسالة وصلت أيضاً إلى أعدائها، وأعداء الدين والإنسانية!!

القتلة من عصابات الإرهاب، التي ترفع رايات مزيفة تدعي «الجهاد» باسم الدين.. وصلتهم الرسالة، وأدركوا بأن النهاية تقترب. والذين تآمروا ـ باسم الدين المفترى عليه، ليثيروا الفتن الطائفية والحروب المذهبية، أو ليكتسبوا نفوذاً زائفاً لأئمة التطرف هنا أو هناك.. وصلتهم الرسالة، وعرفوا أن اللعبة أصبحت مكشوفة، وأن التآمر أصبح بلا غطاء، وأن القادم ـ بالنسبة لهم ـ أسوأ بكثير مما كانوا يتوقعون!!

والذين كانوا ـ على الجانب الآخر ـ يستغلون ذلك كله لإثارة موجة من العداء للإسلام والمسلمين، يعرفون الآن ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ أن رهانهم خاسر.. وأن الدعم الأمريكي والغربي لعصابات الإخوان لتصل للحكم في أكبر الدول العربية، كان الدليل الأكبر على «خديعة» اختراع العداء للمسلمين.

المهم أن الرسالة وصلت لهؤلاء، وأننا وجدنا الصورة الأوضح لردود أفعالهم في عاصمة الفلول المهزومة والمنحازة لكل ما يساعد أعداء العروبة والإسلام، ولكل المناصرين لدعاوى الإرهاب والكراهية والتعصب، ونشر الدمار في ربوع عالم عربي، لن ينسى أبداً ما فعله الذين حولوا «الدوحة» إلى عاصمة تجمع قيادات الإرهاب، وتجسد كل ما هو قبيح في عالمنا العربي، بكل ما هو زائف في الحديث باسم الإسلام المفترى عليه.

فقد تنظيم «حمد وحمد» صوابه، وهو يتابع مشهد لقاء الأخوة الإنسانية في أبوظبي، أطلق أبواقه الإعلامية، ودفع عملاءه في الخارج لمحاولة التشويش على اللقاء التاريخي، ثم اضطر ـ بعد فشله الذريع ـ إلى إقامة سرادق عزاء إعلامي وسياسي، تجتمع فيه كل الأصوات القبيحة تدافع عن الإرهاب، وتحتضن كل جماعاته، بدءاً من الإخوان والدواعش إلى الحرس الثوري وأتباعه إلى العنصريين دعاة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، إلى المتسكعين في دروب الإفتاء بغير علم ولا دين، ولا وطنية، ليصدروا فتاوى القتل والدمار، وليثبتوا أن رسالة وثيقة أبوظبي قد وصلت، وأنهم يدركون المعنى، ويرقصون رقصة الموت على مذبح إرهاب أصبحوا رهينة لديه!!

صحيح ما قاله الوزير أنور قرقاش، في وصف هذه الحالة، بأنه «المتأزم سجين ملف وحيد هو أزمته».. لكن المشكلة أن من يتحكمون في قرار «الدوحة» منذ عشرين عاماً وحتى الآن، مشغولون الآن بتأمين مستقبلهم الشخصي، وليس مستقبل بلادهم.

يدركون أن دخولهم في قفص الاتهام في قضايا العمولات والفساد والإفساد في أوروبا، ليس إلا البداية للفساد الأكبر، حين يكونون مطالبين بدفع ثمن دعمهم الإرهاب، ومشاركتهم في تدمير دول شقيقة، والتآمر على أخرى. الفواتير عديدة، والأثمان باهظة، والحق سينتصر في النهاية.

 

 

Email