اختبار القياديين «بورقة وقلم»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصدرت الكويت، قراراً، اعتبر سابقة في تنظيم آلية اختيار كبار القياديين في الدولة، الذين يتبوأون مناصب مهمة مثل وكيل وزارة ووكيل مساعد وما شابه. ومن مال إلى تأييد هذا القرار أولئك الذين وجدوا فيه ما وضع حدا للضغوطات النيابية أو المحاباة الحكومية في تعيين أشخاص لاعتبارات اجتماعية أو انتخابية ولا يتحلون بالكفاءة المطلوبة.

ولذا تضمن القرار ضرورة أن يخضع المترشح للوظيفة القيادية لاختبار يقيس مجموعة من المهارات الإدارية، مثل المهارات التنظيمية، والقيادية، وإدارة الصراع. والصفات الشخصية كالمهارات الاجتماعية، والابتكارية والإبداعية والذهنية.

ولأن القيادي يتعامل بالأرقام، أحياناً، فهو يجب أن يتهيأ للإجابة عن أسئلة تشتمل على المعرفة بالقواعد والأحكام ذات الصلة بإعداد وتنفيذ الميزانيات، والمحاسبة العامة فهو سيكون في مرمى نيران المراقبة من قبل ديوان المحاسبة والبرلمان. ولأنه يأتي على رأس من يخططون في مؤسسته فسيجد في اختباراته أسئلة تقيس مدى مقدرته على التخطيط الاستراتيجي، ومهارات التفكير المنطقي، وحل المشكلات وصنع واتخاذ القرارات.

اتفق مع متطلبات كثير مما ذكر آنفاً، كأساسيات لمن يتبوأ الوظيفة العامة، لكن هذا العالم يعج بهامات قيادية فذة بدءاً من شارع وول ستريت في نيويورك حتى أقاصي اليابان ولم يأخذوا قط اختباراً من ورقة وقلم ليقيس مدى قدراتهم القيادية.

وقد شاركت في ترؤس لجان توظيف عدة لتعيين رؤساء تنفيذيين وقادة وكنا نفعل كما يفعل معظم مؤسسات العالم في التعمق بالبحث عن ذلك المترشح ومؤهلاته ومدى صدق ما يزعم من إنجازاته في سيرته الذاتية. ونتتبع بدقة من عملوا معه بمختلف فئاتهم حتى نكون على قناعة غير متحيزة بعد مقابلته.

إذن بالمقابلات الجادة والبحث المعمق يكون لدينا تصور عن المترشح. والسبب أن هناك فارقاً بين القيادي وحديث التخرج، فالأول لديه باع طويل في الميدان القيادي والإداري في حين أن حديثي التخرج أعدادهم هائلة وبلا خبرة فلا يستغرب إن خضعوا لاختبارات بعد تخرجهم لفرزهم.

وكمتخصص في القيادة، وأمضيت فيها نحو 4 سنوات في دراسة الدكتوراه، أرى أنه من الطبيعي قياس أنماط نظريات القيادة في الأشخاص ليعرفوا أسلوبهم القيادي، وكيفية التعامل مع نقاط ضعفهم، لكنني لا أتفق مع فكرة قياس كفاءة القيادي على إطلاقها من «اختبار ورقة وقلم».

فهناك من لديهم مشكلة في الاختبارات أصلاً لكنهم قادة لامعين أداروا دفة كبريات المؤسسات والحكومات بل ودولاً بأسرها. ولو خضع أحدهم لاختبار ورقي لرسب فيه. طبيعي أن نقيس الأسلوب القيادي حتى يفهم الشخص نفسه لكن أن نقرر أهليته من ورقة وقلم فإن ذلك يستدعي إعادة النظر.

والمشكلة أن مما يقيسه الاختبار مدى إلمامك باللغة الإنجليزية لكن ماذا إذا كنت مبتعثاً إلى فرنسا أو إيطاليا ولا تفقه شيئاً في اللغة الإنجليزية. أرى أن لغات العالم المتقدم مهمة لننهل من علمهم، وأفضل ممارساتهم وتطبيقاتهم best practices لكن ليست الإنجليزية المصدر الوحيد للمعرفة. ففي أوروبا لغات عديدة سباقة في هذا المضمار.

أكتب هذا الكلام هنا لنتأمل كمهتمين عرب، في كل مكان، هذه المحاولة الكويتية بحد ذاتها خطوة جريئة، وحل لمن ينتقدون الحكومات التي لا تقدم حلولاً لمشكلاتها المجتمعية. وقد تنبثق من مناقشة هذه المحاولة قرارات أخرى أفضل تساعدنا جميعاً كأمة عربية على النهوض مجدداً بسواعد قيادييها الأكفاء وأبنائها المخلصين.

 

 

Email