2019.. عام التحديات الاقتصادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

2019 عام مليء بالتحديّات الاقتصادية على مستوى دول العالم بشكل عام وعلى مستوى الاقتصادات الكبرى بشكل خاص، فالعديد من الملفات لم تحسم خلال 2018 واستمرت تبعاتها مع بزوغ فجر العام الحالي، وبعد أن طوينا آخر صفحة من العام المنصرم بما فيه من أحداث سياسية واقتصادية ومناخية كبيرة، جاء العام الجديد مثقلاً بالعديد من التحديات الجسام.

ويعد ضمن أبرز التحديات التي ورثناها عن السنة الماضية، الحرب التجارية المستعرة بين أقطاب المال والاقتصاد في العالم، والتي أشعل فتيلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الصين والاتحاد الأوروبي، وكانت البداية مع اتخاذ إدارة ترامب إجراءات حمائية تتمثل بفرض رسوم جمركية على الواردات من السلع والبضائع الصينية، مما سبب توتراً في العلاقة بين البلدين أدت بالصين أيضاً إلى فرض رسوم جمركية على العديد من البضائع الأمريكية.

ولم تكتف إدارة ترامب بذلك بل توجهت إلى من يسمون بحلفائها من الأوروبيين وفرضت عليهم العديد من الرسوم ومن أهمها منتجات الحديد والألمنيوم، مما أثر على اقتصادات العديد من دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا، بالإضافة إلى أثر هذه الرسوم على دول أخرى، فالرسوم الجمركية فرضت على بعض المنتجات بغض النظر عن الدولة المصدرة.

وبعد الكثير من الشد والجذب، والجدال على مدى الأشهر الماضية بسبب هذه السياسات الحمائية أعلنت كل من الصين والولايات المتحدة الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل مناقشة تبعات هذه الإجراءات على اقتصادات الدولتين، وأثمرت هذه الاجتماعات، والتي كانت على مستوى رفيع، حيث شارك فيها زعيما الدولتين، قد أثمرت عن هدنة بين الجانبين تتوقف خلالها حرب زيادة الرسوم ومراجعة ما تم فرضه بالسابق.

وهذا الاتفاق جيد في شكله الظاهري ويبشر بانفراجه ولو بسيطة للأزمة، ولكن لا يمكن أن نعوّل عليه كثيراً أو نعلق عليه آمالاً لنهاية هذه الحرب، لأن الرئيس الأمريكي عودنا على أن المفاجآت في قراراته قد لا تكون سارة في بعض الأحيان، وإذا كنا نتحدث اليوم عن هذه الهدنة، فإننا بالغد لا نعلم ما الذي سيتخذه ترامب، خاصة وأنه يضع مصلحة العامل الأمريكي والمنتَج الأمريكي كأولوية لديه.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي تبرز العديد من المشكلات الكبرى والتي ستؤثر على دول الاتحادات الأوروبي، وأولها مشكلة خروج بريطانيا العسير من الاتحاد الأوروبي، والذي سبب الكثير من الضغط على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والتي ما زالت تصرّ على موقفها بتحقيق رغبة الشعب وفك الارتباط السريع مع الاتحاد الأوروبي قبل الموعد النهائي للانسحاب في نهاية شهر مارس المقبل، وبالمقابل نرى موقف البرلمان الرافض للفكرة، وللخطط التي تطرحها ماي للخروج من الاتحاد.

هذا الخروج الذي سيكبد بريطانيا الكثير، كهجرة العديد من الشركات والمؤسسات الكبرى من لندن، أهمها البنوك وشركات التقنية والعديد من المؤسسات الأخرى، والتي سيكون لخروجها كبير الأثر على الاقتصاد الإنجليزي المترنح، ومن وجهة نظر شخصية أرى أن استفتاءً ثانياً سيكون بمثابة المخرج من هذه الأزمة، خاصة وأن الاستفتاء الأول للانفصال عن الاتحاد الأوروبي كانت نتائجه متقاربة بين المؤيدين والمعارضين، وبعد هذه المشكلات التي عصفت بالبلاد والحكومة أعتقد أن العديد من أبناء الشعب البريطاني قد يغيّر رأيه في جدوى الخروج من الاتحاد الأوروبي.

كما أن فرنسا ليست بعيدة أيضاً عن الاضطرابات، فمشكلة أصحاب السترات الصفراء دخلت أسبوعها الثاني عشر، مشكلة تحدياً صعباً لحكومة الرئيس ماكرون، فمع بداية المظاهرات كانت مطالب المتظاهرين تتعلق بسياسات الضرائب والضمان الاجتماعي، وتعسر ميزانيات الطبقة العاملة والأسر من الطبقة المتوسطة، ومن ثم تحولت إلى تمرد على ماكرون نفسه.

وتتوالى الأحداث التي تضغط على اقتصادات العالم ومن ضمنها اقتصادات الشرق الأوسط، ومنها ما تشهده المنطقة من مشكلات جيوسياسية، كتفاقم الأزمة السورية، وتدخل أطراف خارجية فيها، وسلوك الحكومة الإيرانية وتدخلاتها في المنطقة، والمشكلات المتراكمة في الدول العربية كالبطالة والفقر ومشكلات اللاجئين.

ورغم هذه المشكلات الكبرى، فالعديد من الحكومات ماضية في إجراءاتها التطويرية والتحسينية الجاذبة للاستثمار الأجنبي، عن طريق تقليل التكاليف على المستثمرين واختصار العديد من الإجراءات الإدارية والرسمية وسهولة الحصول على الرخص التجارية، بالإضافة إلى تمديد فترات الإقامة للمستثمرين، وفي طليعة هذه الدول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الدول والتي أقرت قوانين أكثر إغراءً كحصول المستثمرين على جنسية الدولة في حال استثمار مبلغ معين من المال فيها.

 

Email