إيران.. نفق مظلم عمره أربعون عاماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أربعين عاماً، قامت في إيران ثورة ضد النظام الشاهنشاهي بدواعي ما مثله النظام من فساد وقمع وتغريب ثقافي وتبعية لأمريكا وتحالف مع إسرائيل. والآن وقد مضت سنون كثيرة لم تفلح الثورة في تحقيق تنمية حقيقية ولا مراعاة لحقوق إنسان ولا تحرر من ربقة التبعية للنظام العالمي.

وقد زادت الثورة من الاحتقان الداخلي والدخول في مواجهات عديدة مع دول المنطقة والعالم. ولعل الثورة والتي بلا شك تعتبر من أهم الثورات منذ الثورتين البلشفية والصينية في القرن العشرين إلا أنها انحرفت عن أهدافها الصحيحة والتي ضحى أبناء الشعب الإيراني الكثير من أجلها.

ويعود سبب شطوط مسار الثورة هو الخطيئة التي ولدت معها. بينما كانت الثورة تمثل آمال الجماهير العريضة من أبناء الشعب الإيراني بكل قطاعاته من أبناء الريف المهاجرين إلى المدن إلى تجار البازار إلى المثقفين والجبهة الوطنية والتي تزعمت الحركة السياسية بقيادة محمد مصدق في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن الثورة استحوذ عليها من قبل الملالي والذين كانوا فعلا جزءاً من الثورة في العام 1978-1979.

ويعود الأساس الفكري لهذا الاستحواذ بقيادة الثورة والمجتمع البدعة التي أتى بها آية الله الخميني في صهر الدين والدولة عبر مفهوم ولاية الفقيه. ونتج عن ذلك نظام ما سمي بـ«الجمهورية الإسلامية» والتي تعطي للشعب حقاً في اختيار ممثليه ولكن فقط عبر المنظر الإسلامي والذي يمثله الوليّ الفقيه.

وشرع النظام منذ بدايته بالتخلص جسدياً من المعارضين لنظام الوليّ الفقيه أو عبر نفيهم الاختياري لتفادي التصفية الجسدية؛ وفي أحيان كثيرة لاحق النظام معارضيه في الخارج. ولم يقتصر الأمر على المعارضين الإيرانيين فحسب، بل بدأ النظام في معاداة محيطه الإقليمي العربي، رغم بعض الحماس في الشارع العربي للثورة، وذهب يكشف أنيابه للقوى العالمية.

وفي مغامرة غير محسوبة عواقبها، قامت مجموعات من الطلاب الراديكاليين بمداهمة السفارة الأمريكية في طهران بعد الإعلان عن نية الشاه التوجه للعلاج في أمريكا. وقد طالب الطلبة بمقايضة الرهائن الدبلوماسيين بالشاه. وظلت الأزمة تراهن مكانها منذ 4 من نوفمبر ولمدة 444 يوماً، حين أطلق سبيل الرهائن بعد وساطة جزائرية في 20 يناير 1981. وقد ضرب النظام الثوري الجديد بالقانون والأعراف الدولية. بل تنكر لهم حين أعلن أن هذه القوانين وضعت من الدول الغربية وإيران ليست ملتزمة بها.

وبدأ النظام الجديد يتحدى الدول الإقليمية ويهددها بتصدير الثورة إليها. وادعى أنها أنظمة غير شرعية ومدعومة من قوى الاستكبار. وبعد مناوشات حدودية مع العراق حين قدم الأخير شكوى إلى الأمم المتحدة من استفزازات إيرانية، قام رئيس العراق صدام حسين باجتياح إيران معلناً إلغاء معاهدة الجزائر مع الشاه حول شط العرب.

وحقق العراق في البداية نجاحات واكتسح مناطق عديدة من إيران، ولكن إيران، بسبب قوتها البشرية والحماس الثوري الجماهيري التي كان في أوجه، استطاعت أن تقلب الموازين وتجلي القوات العراقية من أراضيها. وبدلاً من أن تقبل بهدنة وحل سلمي أصرت طهران إلا أن تسقط نظام البعث في بغداد. وتكبد البلدان خسائر فادحة في الأرواح والموارد.

وبعد انتهاء حرب الثماني سنوات المدمرة ووفاة الخميني، بدا وكأن إيران تعلمت درساً قاسياً من التعنت والتعصب الإيديولوجي. وباشرت طهران تحت رئاسة هاشمي رفسنجاني بمحاولة التقارب مع دول المنطقة، ولاسيما المملكة العربية السعودية. وقد وصل التقارب بين الرياض وطهران أوجه في عصر الرئيس محمد خاتمي في الأعوام 1997-2005.

وعندما انتخب محمود أحمدي نجاد في 2005، ولأن الطبع يغلب على التطبع، رجعت إيران إلى سياساتها العدوانية في المنطقة. واستغلت الفوضى الذي أحدثها الغزو الأمريكي للعراق، ووصول حلفائها إلى سدة الحكم، فتمكنت من بسط نفوذها على العراق. كما أنها تمادت في اختراق النظام العربي بتدخلها في شأن الدول العربية من بغداد إلى تطوان. وقد استخدمت المذهبية في تعزيز نفوذها في هذه الدول— حتى أن المغرب قطع علاقاته بإيران بسبب أنشطتها التخريبية.

ودخلت إيران في نفق مظلم آخر حين توجهت لها الأنظار بسبب نشاطها النووي السري. وبدأ تخوف جيرانها من امتلاك نظام ثيوقراطي يمجد الاستشهاد ومتهم برعاية الإرهاب للأسلحة النووية. وشرعت الدول الكبرى في فرض كثير من العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب هذا البرنامج. ولا شك بأن مغامرات إيران تزيد من معاناة الشعب الإيراني بسبب سلوك النظام والذي أبى إلا أن يعادي العالم ومحيطه الإقليمي.

ويواجه النظام الإيراني اليوم في ذكرى الأربعين للثورة عقوبات أخرى من قبل الولايات المتحدة بسبب امتلاك إيران لقدرات صاروخية تهدد جيرانها وتدخلات في لبنان وسوريا وتسببها لمآس حقيقية للشعب السوري، فضلاً عن دعمها النظام الانقلابي الحوثي في اليمن والتسبب في كوارث في ذاك البلد المكلوم.

إرث ثقيل تركته الثورة الإيرانية على إيران والمنطقة والعالم. ويتساءل الجميع متى يأتي نيروز إيران ويخرج الإيرانيون من غسق الدجى.

Email