«كوتة نسائية» لتمكين المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا نوى أحدنا، هنا في الإمارات، أن يضع عنواناً لما يحدث في دولة الإمارات خلال الفترة القليلة الماضية، بلا شك لن يخرج عن أن الإمارات مصرة على أن تبهر الرأي العام العالمي بإنجازاتها.

لأن، حقيقة، ما يحدث في هذه الدولة يلقى صدى كبيراً من وسائل الإعلام الخليجية والعربية والعالمية لأنها تمس تفاصيل الحياة اليومية للإنسان، وهي إحدى القضايا الرئيسية التي هي مجال جدل بين المجتمع والحكومات باختلاف نوعيتها، فإذا كانت الخلافات الغربية منصبة في عدم وجود من ينتبه لاحتياجات الشعب، فإن منطقتنا تطرح تساؤلات حول الاهتمامات بقضايا المجتمع ودور المرأة والشباب فيه باعتباره أنه الطرف الغائب في لعب الدور فيه.

النقطة التي استطاعت دولة الإمارات أن تلفت أنظار الإعلام العالمي إليها، مؤخراً، ما تقدمه من إنجازات تؤكد مدى رسوخ قيمة التنمية في هذه الدولة؛ فمن إطلاق أول قمر صناعي إماراتي وعربي «خليفة سات» حدثت العديد من المؤشرات التنموية، إلى أن وصلنا يوم السبت الماضي بإعلان عن قرار تثبيت مشاركة المرأة الإماراتية في المجلس الوطني الاتحادي بنسبة 50% بهدف ضمان استمرار مسألة تمكين المجتمع وليس المرأة فقط، وضمان الريادة في السباق العربي نحو إشراك المرأة المشاركة السياسية.

فكما كانت الدولة الأولى في تخصيص «كوتة للمرأة» في البرلمان، وكانت سبّاقة في أن تكون الإمارات أول دولة عربية تحقق فيها المرأة رئاسة السلطة التشريعية هي الآن تؤكد أن المرأة نصف المجتمع من خلال تخصيص نصف المقاعد البرلمانية للمرأة.

يخرج أي مراقب لمشاركة المرأة الإماراتية في السلطة التشريعية، بأن هناك اهتماماً من القيادة السياسية لدولة الإمارات لدعمها من أجل اكتمال الصورة في دعم المرأة في كل السلطات، فهي حاضرة في الحكومة في أكثر من وزارة وفي المجتمع في العديد من الجوانب، بما فيها التي كانت حكراً على الرجل مثل قيادة طائرة عسكرية أو مدنية، بل إن هذا القرار هو تأكيد على رغبة الحكومة الإماراتية في تقوية الجانب الاجتماعي، باعتبار أن المطالبة باحتياجات المرأة يحتاج إلى فهم كامل منها يتعدى أحياناً استيعاب الرجل لها.

بلغة سياسية واقعية، فإن المرأة في المجتمعات العربية ما زالت تحتاج إلى دعم من القيادات، فمن واقع المؤشرات التي تسجلها الانتخابات البرلمانية أن أصوات المرأة ما زالت تسير نحو الرجل.

ففي دولة خليجية جارة، رغم طول تجربتها البرلمانية، إلا أن مجلسها الحالي لا يوجد فيه إلا امرأة واحدة، باعتبار أن نضج المجتمع العربي في نظرته نحو المرأة ودورها لم تصل إلى عدم التمايز فيها، وبالتالي فإن تدخل الحكومات يصبح ضرورياً لأن التشكيك في قدرتها وكفاءتها السياسية رغم كل الإنجازات التي حققتها في الميادين التنموية المختلفة إلا أنها ما زالت موجودة.

دولة الإمارات بهذا القرار تقدم حلاً يكسر الحواجز الوهمية من خلال إعطائها نصف المقاعد، كي ترسخ ثقافة وجود المرأة في المجالس البرلمانية، التي تعتبر أهم سلطة في أي نظام سياسي.

المرأة الإماراتية حققت الكثير من الامتيازات السياسية والمجتمعية، بل إنها في بعض التخصصات فاقت الرجل مثل وجود الصف الثاني من القيادات الإدارية، وبالتالي فإن قرار رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في تخصيص 50% من المقاعد البرلمانية؛ هو تأكيد على تمكينه للمرأة تلك الاستراتيجية التي أطلقها سموه في العام 2005، وكذلك هو اعتراف المجتمع بالإنجازات التي حققتها الإماراتية في الحياة البرلمانية داخلياً وخارجياً.

دخول المرأة إلى المجال السياسي والبرلماني خصوصاً ليس بالأمر السهل ليس فقط خليجياً بل عربياً، ولا يمكن الرهان على الانفتاح المجتمعي فقط بأنه سيعمل على ذلك، فالتوجهات الاجتماعية وقيمه ما زالت تحتاج إلى دعم من السلطة السياسية في دول الخليج، وربما باقي الدول العربية أيضاً؛ لأن الحاجة ملحة لأن تكون المرأة في البرلمان بدلاً من تهميش طاقتها استسلاماً لتقاليد لم تعد تعبّر عن الوضع الحقيقي للأوطان.

 

 

Email