حذلقات إسرائيلية عن حل الدولتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلخص بعض الصهاينة الإسرائيليين أسباب رفضهم لحل الدولتين مع الفلسطينيين، في أنه "سيئ للجانبين. فهو بالنسبة لإسرائيل سيؤدي إلى ضياع الحدود القابلة للدفاع، والتنازل عن مناطق من أرضها، وتقسيم القدس، واقتلاع مواطنين إسرائيليين من الضفة الغربية.

أما على المقلب الفلسطيني، فسوف ينتهي بقيام دولة ليست صالحة للعيش، ولن تتمكن من إعالة نفسها وإعاشة سكانها، بعد استيعاب أنسال اللاجئين الفلسطينيين، ولا قدرة لها للدفاع عن نفسها، ومشهد كهذا يعني الحرب الحتمية".

كبديل من هذا العلاج المؤهل بزعمهم للفشل، يعيد هؤلاء تلميع الحديث عن ما يسمى بالدولة الأردنية الفلسطينية في المساحة الممتدة بين البحر والصحراء.

طبقاً لهذه الفكرة، التي تعيد عرض بضاعة صهيونية تم إنتاجها قبل نحو خمسين عاماً، تشمل خريطة إسرائيل الجديدة، السيادة على غور الأردن الكبير والقدس الكبرى والكتل الاستيطانية والأراضي غير المكتظة بالفلسطينيين في الضفة، وبالطبع، لن يسمح باستقبال أي لاجئ فلسطيني منذ عام 1948 حتى الساعة داخل هذا الإطار.

ينطوي هذا التصور على خروج إسرائيل من عدوان عام 1967 وتوابعه، بغنيمة جغرافية وسياسية كاملة الأوصاف. وإن كان له من حسنة، فهي تذكيرنا بأن صهاينة اليوم لا يختلفون عن أجدادهم من صهاينة الأمس، وكيف أن مشروعهم الاستيطاني، لا يرفع أعينه عن المجال الجغرافي العربي.

فهم في الحد الأقصى يتلمظون ويتحرقون للتوسع ما أمكنهم في هذا الفضاء الفسيح، ومن آيات هذا الهدف المضمر، التعبيرات التي يوحي بها علمهم، حيث النجمة السداسية التي تتوسط خطين أزرقين، دلالة على ما بين مائي النيل والفرات. ويتطلعون في الحد الأدنى إلى استخدام هذه الرحاب وتوظيفها في تصفية قضية اللاجئين، باعتبارهم عرباً بين عرب.

واللافت أن الإسرائيليين لا يقتربون إيجابياً من مفهوم القومية العربية، إلا في سياق صلاحيته كبوتقة لتذويب الفلسطينيين. واقع الحال أن الحل العربي لقضية فلسطين والفلسطينيين، لم يغب مطلقاً عن العقل الصهيوني، الذي لا ينسى شيئاً.

فمن اقتراح بتوطين اللاجئين حيث يستضافون، مع تقديم دعم اقتصادي، يتيح لهم تحسين نوعية الحياة. إلى اقتراح ثانٍ بإبعادهم عن فلسطين التاريخية، وتوطينهم في أقاصي الأرض، وصولاً إلى العوالم الجديدة في كندا وأستراليا. إلى اقتراح ثالث، يحسبونه أكثر إغراء، بربط ما تبقى من فلسطين عضوياً بالدولة الأردنية، وتخلي الفلسطينيين عن حلم العودة إلى مساقط الرؤوس.

لا ينسجم أي واحد من هذه الحلول المتداولة في الأروقة الصهيونية الإسرائيلية مع القوانين الدولية، ولا مع القرارات الأممية العاطفة على حقوق الشعب الفلسطيني بالمعنيين التاريخي والقضائي. ومع ذلك، لا يوصف العاملون عليها والساعون لها سراً وعلانية، داخل إسرائيل وخارجها، بالعصيان الحقوقي والتطرف والإرهاب السياسيين.

في نشوتهم بالأجواء العربية المكفهرة، وما يبدو من تخاصم فلسطيني داخلي مستعصٍ على الانفراج، وخذلان دولي للتسوية الفلسطينية، يطمع الصهاينة الإسرائيليون في مد الجسور مع المحيط العربي، مع تجاوز عقدة فلسطين وإلقائها ظِهرياً. ومنهم من يذهب في تفاؤله إلى إمكانية إبرام تحالفات تعمل على لملمة الحالة الفلسطينية والسيطرة عليها.

ما لا يأخذه الصهاينة الإسرائيليون وأشياعهم في الحسبان، أنه لا أحقية لهم في إجراء مباضعهم على خرائط المجتمعات العربية المحيطة بهم، لصناعة الدول والكيانات وفقاً لأهوائهم ومخططاتهم. بمعني أن مداخلاتهم الرامية إلى التسوية الفلسطينية، سواء كانت عبر حل الدولتين أو الدولة الواحدة، لا يجب أن تتعدى نطاق جغرافية فلسطين التاريخية.

هذه هي الإرادة الأممية وقراراتها الخاصة بالصراع والتسوية. وقد يتعين على هؤلاء المتحذلقين، تذكُّر أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم تُعرَف لها حدود بعد، بينما تعيش بين دول مستقلة ذات سيادة ومعلومة الحدود، ومنها دولة تحتلها بالكامل، اسمها فلسطين. وليس عليها سوى تصفية هذا الاحتلال، لتكون هناك تسوية معقولة.

 

 

Email