غزو فضائي صهيوني

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذات يوم قالت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير إن «العربي الجيّد هو العربي الميّت». لكن يبدو أن هذا الكلام عن العرب لا ينطبق على لسان العرب ولغتهم. «الشاهد» أن إسرائيل بدأت الإجراءات لإنشاء 24 قناة فضائية ناطقة بلغة العرب، لتغطي جميع المجالات، الأطفال والسياسة والدراما والأفلام والرياضة وغيرها.

الرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أسامة الشيخ أشعل الضوء الأحمر وحذّر من غزو إعلامي فضائي صهيوني للسماء العربية، ربّما يصفه بعض المثقّفين الحداثيين غزواً ناعماً و«حوار حضارات» لا دبابات فيه ولا طائرات ولا صواريخ مجنّحة، من دون أن يتنبّه هؤلاء لكلام أسامة الشيخ عن تحركات خارجية مريبة لشراء أرشيف الدراما المصرية من القطاع الخاص، وشبكات إقليمية تعتمد موازنات ضخمة لأفلام ومسلسلات عربية، وعن عروض مغرية لمنتجين متوقفين عن الإنتاج لتنفيذ دراما مصرية تنتج حصرياً للعرض على قنوات غير مصرية. غير مصرية، ماذا تكن إذن؟

على مدار سنوات عديدة كانت تلفزيونات مصر الرسمية تبحث عن فيلم «الوردة البيضا» للموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، ليتبيّن لاحقاً أن الفيلم في إسرائيل. ثمّة قرصنة ثقافية وغزو للحائط الذي بإمكانه أن يكون الوحيد الواقف لدى أنظمة عربية هُزمت عسكرياً وسياسياً، فوقع نصف المصيبة ثم المصيبة الكاملة، وتبقي كارثة الهزيمة الثقافية النفسية.

إطلاق باقة صهيونية من 24 قناة بالعربية يعني أن الفكر الصهيوني سيدخل كل بيت عربي، وفي هذا البيت سيكون الأب في العمل والأم في المطبخ، ليختلي الأطفال بالشاشة «يرتوون» من منبع حركة كانت حتى الوقت القريب مصنّفة في مبادئ الأمم المتحدة كحركة استعمارية عدوانية كولونيالية توسّعية، قبل أن تلغيه الجمعية العامة، على وقع الاحتفاء «العربي» بمارش السلام في مؤتمر مدريد.

هناك في كل مكان وزمان مَن يركضون خلف العروض المالية، دونما احترام لشلال الدماء، ودون أدنى اكتراث لحقيقة أن الصراع تجذّر، وأن «الحمل الوديع» الذي حاولنا إقناع أنفسنا بالحوار معه، ليس سوى ذئب خبيث الترصّد، وأن الأفعى التي تبدّل جلدها لا تتخلى عن سُمّها. وهذا السمّ لن يبقى مدموغاً بدمغة المقاطعة العربية ومكتبها الذي عطّلته أنياب الربيع الظلامي.

إذا سار هذا المخطط في طريقه، والمرجّح أن يسير، فليس مستبعداً بل مرجّحاً، أن تفتتح هذه القنوات الصهيونية بثّها بآيات من الذكر الحكيم، كما يفعل الناطق أفيحاي أدرعي تحت زخّات من اللايكات «العربية»!

 

Email