رأي

في مواجهة التطرّف

ت + ت - الحجم الطبيعي

المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» تعتزم تنظيم لقاء للخبراء على الأرض الموريتانية، لبحث سبل تطوير برامج التعريف بالإسلام في إذاعات الدول الإفريقية، وتفعيل دور الإعلاميين في مواجهة التطرف والغلو، ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال، والتعريف بالمتطلبات الفنية والمعرفية لتطوير البرامج الإذاعية الخاصة بالتعريف بالإسلام.

هذا أمر جيّد على العموم، وليس في الدول الإفريقية وحدها. لكن لا هرب من القول إننا منذ زمن بعيد نسمع عن مبادرات ونشاطات مثل هذه أو تلك، وتحت العناوين ذاتها، وأبرزها «تجديد الخطاب الديني»، مع الإدراك التام بأن الجهات التي تنادي بهذه العناوين جادّة في توجّهاتها المدعومة بسياسات تنسجم مع هذه التوجّهات، لا سيّما وأنها، أو بعضها، يكتوي يومياً بنار يشعلها التطرّف وخطاب العنصرية والفتنة.

في عالم متشابك، وفي عصر العولمة السياسية والاقتصادية والإعلامية والمعرفية، عندما تستمر المشكلات، ينبغي طرق أبواب جديدة للحلول، وتجنّب تكرار الأسطوانات وشحذ الأدوات المجرّبة بلا جدوى. أما إذا كانت الجدوى تراكمية وإن صغيرة، فلا ضير في المراهنة على تحويل التراكم الكمّي إلى تغيّر نوعي، في إطار منطق طويل النفَس والأمد.

المؤتمرات والمنتديات بحد ذاتها ليست كافية لكي تترك أثراً يصبّ في خانة الجدوى ما لم تتحوّل إلى منهجيّة مكثّفة تدخل البيوت والروضات والمدارس والجامعات والنوادي ووسائل الإعلام، بحيث يتمكّن التركيز على خطاب الإنسانية والتسامح والاعتدال الديني من تحوير الوعي الشعبي بحيث يصبح نابذاً للتطرّف والعنصرية واستباحة دم الإنسان وماله وعرضه تحت عناوين مضللة ومزوّرة.

الناس باتت لا تكترث بالمنابر التقليدية للتوجيه، ولا بد من إعادة النظر في وسائل العلاقة بين الملقي والمتلقي بعيداً عن الأبراج العاجية والمخاطبة من فوق. بل بات المطلوب صوتاً ينبثق من بين الناس ويصلهم حتى لو همساً.

المراد صوت ينتزع من عقول النشء كل مبررات التطرف وأهمها تذويب العنصرية في دواخلهم وشطب احتقار الآخر من تفكيرهم، وبناء هذا النشء على قاعدة «أنا والآخر نكمّل بعضنا بعضاً ولسنا نقيضين».

لم يعد مسموحاً ولا محتملاً استمرار بعض الجهات، دولاً وأبواقاً إعلامية، في توظيف الدين واحتكاره في خدمة سياسات هدّامة وممزّقة للمجتمعات وهادمة للدول والكيانات. هذا المحظور اللامسموح لم يعد يكترث بالمنتديات والمنابر والكلام العابر للمناسبات، لذا تنبغي مواجهته بسياسات جديدة، مكثّفة وجادة، وتعتمد خطّين متداخلين، التوعية المستدامة والإجراءات الرادعة.

وإن كنا تناولنا في عجالة سبل التوعية، فإن الإجراءات الرادعة تبدأ بالقوننة، بحيث تتضمن القوانين والتشريعات نصوصاً صريحة بتجريم كل صوت يحرّض ويغذّي الفتن بكل أشكالها، وإدراجه تحت بند الشروع بالقتل، ورفع درجة العقوبة إلى مستوى الردع الفعّال. إذا ظلّت المعادلة على حالها، تطرّف يجدد نفسه ومواجهة بذات الوسائل القديمة، فإن الصوت الإنساني سيهزمه الإرهاب.

Email