رأي

غزة وصفقة القرن

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقولون منذ ضربتنا عاصفة الميديا الفضائية والإلكترونية إن العالم بات قرية صغيرة. لكن يبدو أن غزة زاوية مظلمة خارج هذه القرية الصغيرة التي لم تعد تتسع لكلمة حق في وجه مفترٍ باغٍ ظالم إسرائيلي أمعن في القتل حتى بات لعبته اليومية. جنود الاحتلال يقومون بعملهم الدموي بكل «أمانة» صهيونية وكفاءة، لأن أهدافه الماثلة في مهدافات البنادق، أطفال وفتيان وممرضات وشبان بأقدامٍ مبتورة.

قادة إسرائيل لا يخجلون من أنفسهم وهم يبررون دولاب الدم بأسطوانة عمرها بعمر اغتصاب فلسطين؛ ولا يملّون من تكرار المزاعم ذاتها عن تعرّض حياة جنودهم للخطر، ويكرّرون في حالة غزة أن الشبّان «اخترقوا السياج»، علماً بأن غالبية الشهداء ظهروا على الشاشات القليلة المكترثة، وهم على بعد عشرات الأمتار من السياج. ثم يقفز السؤال: هل يتمكن شاب بساق واحدة أو ممرضة أو عجوز من اجتياز سياج شائك يعلو هضبة رملية؟

من الطبيعي أن يتهرّب قادة إسرائيل من المعنى الحقيقي للحراك الشعبي الفلسطيني في محيط غزة، كونه نضالاً شعبياً تحت عنوانين أساسيين؛ رفع الحصار وحق العودة. هذان العنوانان السياسيان يرفعان منسوب المتراس في وجه المخطط الإسرائيلي الأميركي المؤطّر بمؤامرة «صفقة القرن»، وهي خطّة تتطلّب صمت الفلسطينيين على تجويعهم ونهب أرضهم وقتل أبنائهم والتسليم بفصل غزة عن الضفة والقدس والشتات. فالمؤامرات عربات تحتاج طرقاً معبّدة بالصمت.

في الجانب الفلسطيني ثمّة جدل مرتبط بالانقسام. لكن الجدل الانقسامي يتّسم عادة بالعمى والعصبوية الغبية التي من شأنها حتى الدوس على التضحيات وكرامة الشهداء وذويهم وتصويرهم كمنتحرين في مزاد سياسي.

لا أحد يمكنه أن ينكر أن حركة حماس الحاكمة في غزة تستغل وضع القطاع الصعب واندفاع الشباب نحو الخلاص، وهي يمكن أن تستفيد من الروح النضالية المرتفعة لأبناء غزة مثلما استفادت من الأنفاق، لكن غزة ليست «حماس»، وأهل غزة ليسوا جميعاً ولا أغلبيتهم «حماس». الأسلوب الأجدى والأنجع لمواجهة هذه الفرضية يكمن في الوقوف إلى جانب غزة ضد محاصرتها من جانب الاحتلال، وضد أخذها رهينة من جانب «حماس».

لم يقل أحد في الدوائر الأميركية والإسرائيلية شيئاً عن محتوى وماهية «صفقة القرن»، لكن القراءة لا تقتصر على ما يقع على الورق والشاشات، الميدان يمكن الكتابة عليه، وهذا ما تفعله أميركا وإسرائيل ميدانياً، من خلال تصعيد الاستيطان والاعتقالات والقتل، والقرارات والإجراءات السياسية الأميركية بشأن القدس واللاجئين وحتى المستشفيات الفلسطينية.

لم تمر القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور المشؤوم بوضع يشبه في خطورته وبؤسه المرحلة الراهنة، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن أول ثغرة في هذا الجدار التآمري، هي إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس المواجهة الشعبية مع مشاريع التصفية، لأن استمرار الانقسام وصفة سحرية للانتحار الفلسطيني.

Email