الانحطاط الأخلاقي والسياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اخترعت الكائنات البشرية، بسبب عيشها جماعات جماعات جملة من المعايير الأخلاقية الضرورية للعيش المشترك، وللحد من الطبيعة العنفية للإنسان. وبهذا المعنى الأخلاق هي الثقافة السلمية في مواجهة الغريزة العنفية، فلا تقتل، لا تعتدي، لا تسرق، لا تعذب، لا تُهين الآخر، لا تتأفف من الوالدين وما شابه ذلك من أفعال الأمر، مجموعة من الوصايا الأخلاقية، التي تفيد ضرورة الحفاظ على الحياة والحق ومكانة الإنسان في هذا العالم، ثم جاءت القوانين الوضعية لتؤكد هذه المعايير عبر قانون العقوبات. ورغم قانون العقوبات هذا فإن السجون في غرب الدنيا وشرقها مليئة بمن خرقوا المعايير الأخلاقية، ولكن لحسن حظ البشرية فإن عددهم قليل جداً، فمهما كان حجم الجريمة الفردية فإنه لا يقاس بحجم الجرائم الناتجة عن الحروب.

بدأت بهذه المقدمة التي لا تخفى على فهم أحد من الناس لأتأمل واقع هذه المعايير على أرض أنتجتها قبل آلاف السنين.

يقتل الإسرائيلي الأطفال في غزة وفي الضفة لأنهم يتظاهرون. أشلاء الأطفال المنتظرين شراء ربط خبز أمام باب الفرن تتناثر في حلب جراء برميل متفجر تطلقه طائرة جماعة حاكمة. يخسر العراق آلاف الأطفال جراء قصف المدن والقرى، يهان في لبنان، طفل لاجئ بأمر من أب طفل آخر. صلبت داعش في الرقة أطفالاً وكهولاً بحجة عدم الالتزام بأوامرها. إيران وميليشيات الوسخ التاريخي تدمر الحياة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق. وتسألون عن الانحطاط الأخلاقي بعد هذا كله. ترى أيهما أسس للآخر؟ هل الانحطاط الأخلاقي هو الذي أسس لهذا الانحطاط السياسي، أم الانحطاط السياسي يعود ليعمق الانحطاط الأخلاقي؟

الجواب عندي هو: إن الانحطاط الأخلاقي والانحطاط السياسي متلازمان، وإن كان الانحطاط السياسي يعبد الطريق أمام الانحطاط الأخلاقي.

انظروا لما جرته الطائفية الحاكمة على سوريا والعراق، والدولة العنصرية على فلسطين! انظروا لما جره الدواعش والنصرة وحزب الله والحوثيون على سوريا ولبنان واليمن.

من قتل في سبيل كرسيه الزائف ليس أهلاً للسياسة وبالتالي هو منحط أخلاقياً وقادر على تعميم انحطاطه، من قتل وسلاحه عنصري وطائفي ليس أهلاً للسياسة، بل هو منحط أخلاقي وسياسي في آن، من يصرخ لبيك يا.... ويقتل منحط أخلاقياً ليس أهلاً للسياسة، من يعلن نفسه خليفة ويدمر البلاد والعباد منحط أخلاقياً ليس أهلاً للسياسة. من يرفع شعار الموت لأميركا والموت لإسرائيل ويجند الأطفال لقتل أهلهم منحط أخلاقياً.

الاحتلال الصهيوني وممارساته بقايا الهمجية في التاريخ، من يحكم بقتل الناس في سوريا والعراق بقايا الهمجية في التاريخ، من يحكم ويرجم ويصلب بقايا الهمجية في التاريخ، من يطرد المسيحي من الموصل أو يطلب منه الجزية أو يحمله على الإسلام هو الهمجية في التاريخ.

السياسة حالة مدنية أخلاقية الآن لأنها ما عادت تقوم إلا على فكرة الإنسان المواطن الحر الكريم. كل كفاح من أجل الإنسان الحر الكريم فرداً مواطناً سيداً على هذه الأرض ضد الوسخ التاريخي المتراكم كفاح أخلاقي من أجل تحرر من الهمجية.

الهمجية وحدها التي جعلت أباً طائفياً يطلب من طفله أن يعتدي بالضرب على طفل سوري لاجئ.

البديل الإنساني عن الانحطاط السياسي- الأخلاقي دولة المواطنة والتسامح واحترام الفرد والجماعات.

نريد صحوة إنسانية وليس دعوات طائفية، نريد دولة إنسانية وليس دولة طائفية، ندعو لأخلاق إنسانية وليس لأخلاق ثأرية طائفية. الكفاح الآن يجب أن يكون ضد هذه الأنماط كلها من الهمجية.

وإنها تذكرة لمن نسي أو قد ينسى، وليس لمن تناسى ويمضي في غيه.

كاتب فلسطيني

Email