غسيل الأدمغة بالحرمان والتشتيت

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهدت العديد من البرامج الأجنبية الوثائقية التي تطرقت إلى وسائل التعذيب في السجون، غير أن أبسطها كان الحرمان من النوم. حيث تبين أن المرء حينما يحرم من النوم، يصبح أكثر ميلاً للاستجابة لتضليل الآخرين بسبب شدة إرهاقه.

فهذا الدماغ العجيب، يمكن في الواقع أن "يُغسَل"- كما يقال- أو "يُوجَه" إلى مرادنا بصورة أو بأخرى. وهو بالفعل ما كشفه الباحث في علم النفس الاجتماعي "دانيل غلبيرت"، عندما لاحظ أن الفرد المحروم من النوم، حينما يسمع عبارة ما، فإنه يقبلها كحقيقة مسلم بها، بصرف النظر عن دقتها. غير أنه قد يستوعب أنها كانت غير صحيحة، بعد أجزاء من الثانية، فيتدارك ذلك برفضها. ونفهم من هذا، أن الإرهاق يجعلنا أدعى إلى الانخداع، ولو لحظياً، وذلك بسبب ضعف الطاقة العقلية والدافعية، الأمر الذي يولده الإنهاك. وهذا ما يستخدم بدرجات مضاعفة ووحشية في غياهب السجون، حينما يجبر المتهم على الاعتراف بذنب لم يقترفه.

وقد أجريت تجارب عدة عليّ شخصياً، حينما كنت في لجنة دائنين مصيرية تجتمع لمدة 10 إلى 12 ساعة، لمدة يوم كامل شهرياً، في مفاوضات مضنية مع شركة مدينة لنا ولبنوك عالمية. فلمست على مدى 18 شهراً، كيف يمكن أن يتدهور التركيز والدافعية والنشاط، حينما يقل النوم إلى دون الأربع ساعات. وبعد رفع النوم إلى 8 ساعات، كانت النتائج مذهلة.

وربما لا نحتاج إلى دراسات تخبرنا أن النوم مهم في اعتدال المزاج، لأن الحرمان منه سبب في اعتلال المزاج والذائقة والقرارات. ولذا، كان من المهم أخذ قسط كافٍ من النوم قبل يوم حافل بالعمل، حتى تبنى قراراتنا فيه بعيداً عن مؤثرات الحرمان.

وكذلك "تشتيت الانتباه" distraction، يجعلنا أكثر قابلية للتأثر، حتى وإن كان ذلك الإلهاء يحدث في غضون لحظات خاطفة. وهو ما تبين في دراسة الباحثين "باربارا ديفس" و"إريك نولز"، حينما وجدوا أن أصحاب المنازل أكثر قابلية للشراء من "تاجر الشنطة"، الذي يقف عند باب المنزل، وذلك حينما يشتت ذهنهم بذكر السعر بصيغة "البنسات" (الفلوس)، بدلاً من الدولارات الصحيحة، قبل أن يقول لهم it’s a bargain أي إنها "لُقطة"، كما نقول بالعامية، أو "يا له سعر زهيد". هذه الحيلة، وإن كانت مزعجة، أو يراها البعض سخيفة، إلا أنها دفعت الناس بالفعل نحو شراء بطاقات المعايدة لأعياد الكريسماس. فهو تصرف بسيط، لكنه أجرى عملية غسيل سريع لأدمغتهم، وجههم خلالها نحو قرار الشراء. خلاصة النتائج، أنه في لحظات إلهاء المستمع، يمكن أن نؤثر في المتلقي.

وهذان دليلان آخران على أن سلوك الناس يتغير نحو مرادنا بدرجة أو بأخرى، شريطة أن نستخدم عقولنا بناء على ما تتحفنا بها الدراسات الرصينة. وإن كنت أرفض استخدام الحرمان من النوم، من منطلق أخلاقي، لكنه من جهة أخرى قضية مهمة، يجب أن نتحاشاها نحن، حتى لا يفلح أحد في استغفالنا، ولو للحظات.

كاتب كويتي

Email