«حَب الخشوم» وتكسيرها

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما يقبّل أهل الجزيرة العربية أنف شخص ما فذلك مؤشر تقدير واحترام، وربما اعتذار صريح أمام الملأ. وكذلك يفعل النيوزلنديون، الذين يعد من عاداتهم تقبيل الأنف، أو «الموايه بالخشوم» كما يسميها أشقاؤنا الإماراتيون، لكن لاعتقاد النيوزلنديين بأنه فعل يوطد العلاقات ويقارب الأرواح بتشارك الطرفين أنفاسهما، لا سيما حينما يتلامس الرأسان، إذ يعتبر رأس المرء جزءاً مقدساً من جسده.

وهناك تصرف مهم في ثقافتنا يعد نقيضاً «لتقبيل الأنف» وهو «تكسير الخشوم» ويستخدم حينما ترغب جهة ما أو فرد في تأديب خصمهم لارتكابه خطأ يرونه فادحاً. بعض هذا التأديب قانوني وبعضه تعسفي. غير أن المبدأ يبقى مهماً ومطلوباً، خصوصاً في إطاره القانوني. فبعض المؤسسات التي تحتكر خدمات ومنتجات تهمّ قطاعاً عريضاً من الناس تستحق أن تذوق ألم تكسير الأنف؛ ولذا تسنّ في أميركا وأوروبا قوانين منع الاحتكار مثلما حدث مع شركة البرمجيات الرائدة في التاريخ، مايكروسوفت، عندما قلم المشرعون أظفارها بحجة ممارستها نوعاًً من الاحتكار.

وهناك أفراد ينخرون في المجتمع فسادهم، وآخرون يتطاولون على أقليات محترمة كل مشكلتها أنها تمارس طقوسها التعبدية أو القبلية أو الطائفية في سلام وفي إطار القانون، فيأتي من يعرض بها باستهزاء أمام مشهد ومسمع من الناس وفي العالم الافتراضي الإنترنتي. ولذا أحيي كل الدول التي سنّت وطبقت فعلياً قوانين الوحدة الوطنية في محاولة لوضع حد لسيل السباب والشتائم المقذعة بين فئات المجتمع، ولرأب الصدع بينهم. ولينشأ بيننا جيل يفكر ألف مرة قبل التلفظ بأي كلمة مسيئة لأطياف المجتمع. وهذا بالطبع لا يعني تقييد الحريات، بل النقد البناء والمسؤول، لأن به ترتقي وتصلح المؤسسات والأفراد.

وهناك مسؤولؤن في كل بلد يستحقون أن يجربوا تكسير أنوفهم من الإدارة العليا، لما يقترفونه من ظلم وتعسف في استخدام صلاحياتهم. ولذا نشاهد بين حين وآخر نفي بعضهم إلى «إدارات نائية» أو تدويرهم، أو سحب صلاحياتهم، أو ربما تطبيق قرارات صارمة كإعفائهم أو فصلهم إذا ثبت ضلوعهم في المشكلة.

وهناك قضية مهمة في معارك تكسير العظام أو الأنوف، خصوصاً عندما تكون الكفة متقاربة بين الخصمين. ففي عالم البزنس والسياسة، مثلاً، ليس هناك عداء دائم بل هناك مصالح مشتركة أو مفهوم «المنفعة المتبادلة» win-win. فبعض الناس يريد أن يكسر «خشم» خصمه من دون أن يمنحه فرصة أن يظفر بأي بشيء يطالب به. ولذا كان من أبجديات التفاوض أن تتهيأ ذهنياً للتنازل عن شيء يهمك شريطة أن تشعر خصمك في بداية المطاف بأنه أمر بعيد المنال، كنوع من التكتيك التفاوضي. والتنازل ليس ضعفاً، فهناك ملايين التنازلات التي تحدث في العالم على مدار الساعة، شريطة أن تكون مدروسة.

مواجهات تكسير الأنوف أو تقبيلها هي جزء طبيعي من الصراع الأزلي بين البشر وبين المؤسسات، لكن كلما كانت الأسباب الدافعة لذلك وجيهة كانت فرصة التفاف جميع الناس من حولنا أكبر. وهذا بحد ذاته دافع مهم لحسن اختيار توقيت المواجهة وعقلانيتها.

 

كاتب كويتي

Email