بيافرا عودٌ على بدء

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما يتم سؤالي عن سر إيماني بالأفارقة، وبقدرتهم على تجاوز الماضي، والعمل على إعمار الحاضر، وتخطيهم لرؤية المستقبل، ودائماً ما أبدأ جوابي بما انتهي إليه الروائي النيجيري الراحل تشينوا أتشيبي، عندما قال: «عندما أرسلت روايتي الأولى، والتي كانت تتحدث عن الشخصية الأفريقية لدور النشر البريطانية لأول مرة، تم رفضها، بحجة أن الأدب الذي ينتجه أفارقة لا سوق له، ولكن مع إصراري على النشر، نجحت في بيع ثمانية ملايين نسخة، وتمت ترجمتها لأكثر من خمسين لغة، ما جعلني أحد أهم الكُتاب الذين تمت ترجمة مؤلفاتهم على مدار التاريخ».

بالرغم من أن تشينو كان طالباً في كلية الطب، إلا إنه اتجه لكتابة الروايات، بعدما قرأ رواية مستر جونسون، التي تناولت الشخصية الأفريقية بشكل غير لائق، وبعدها أصبح لتشينو مهمة لا تقل قداسة عن مهمته كطبيب، فقرر أن يُسهم في تحسين صورة الأفريقي، ونقد الآدب الأوروبي، الذي ينقل عن أفريقيا ما ليس فيها.

يرجع تاريخ الشعب النيجيري إلى 9000 عام قبل الميلاد، وتعتبر حضارة النوق من أهم الحضارات في نيجيريا، وحضارة النوق عبارة عن تماثيل بحجم الإنسان مصنوعة من الطين المقوى بالنار، ويطلق عليه التيراكوتا.

تعتبر نيجيريا أهم القوى الأفريقية التي يعول عليها المجتمع الدولي اليوم، إلا أنها ظلت تتميز بفسيفساء عرقية ودينية وثقافية، كانت من الممكن أن تتحول لمصدر قوة للدولة النيجيرية، فنيجيريا يقطُنها المسلمون والمسيحيون، والذين يدينون بديانات أفريقية، كما تضم مئتين وخمسين جماعة عرقية ولغوية مختلفة، وهذا التمايز كان وبالاً على أبوجا، وأدخلها حروباً أهلية، كحرب بيافرا 1967-1970.

الصراع المتجدد، والذي يأخذ اليوم صورة الصراع الحذر في نيجيريا، يحوم بين أهم القبائل: لهوسا، الفلاتيون، اليوربا، الأيبو، فالهوسا والفلاتيون، يقطنون المناطق الشمالية التي شهدت ما يعرف بخلافة سوكوتو، التي نشأت على يد عثمان فودي وشقيقه عبد الله فودي، من 1804 إلى 1903م، إلا أن أحوال الخلافة تدهورت، ما سهل على بريطانيا احتلالها عام 1902، أما اليوربا فيقطنون في جنوب غربي نيجيريا، ومنهم المسلمون والمسيحيون وبعض المعتنقين للأوريشا، وهى إحدى الديانات التقليدية، أما الأيبو أو الأغبو، فهم يقطنون في جنوب شرقي البلاد، تلك المنطقة المُصنفة باحتضانها لأغلب احتياطي نفط نيجيريا.

هذا التمايز، كان سبباً ثانوياً للصراع النيجيري، ولكنه ليس السبب الرئيس، فهناك مجموعة اعتبارات مُرتبطة بتوزيع الثروة والسلطة والاستياء السياسي، والمكون الثقافي لتلك الجماعات، كل تلك الأسباب تُعتبر مداخل حقيقية لفهم المُعضلة النيجيرية.

استقلت نيجيريا 1960، إلا أن ذلك الاستقلال لم يكن فعلياً إلا في 1963، عندما تم الإعلان عن الجمهورية الأولى، بزعامة بنجامين أزيكيوي، وفي عام 1966، قامت مجموعة عسكرية من عرقية الأيبو بالإنقلاب على رئيس الوزراء أبو بكر باليوا وإندلعت الشرارة الأولى بين عرقية الأيبو وعرقيتي الهوسا والفلاته، وعندها أعلن الجنرال إيميكا أوجوكو انفصال إقليم بيافرا عن الدولة النيجيرية، فالجنرال أوجوكو، كان يرى بأن الكونفدرالية هي الأفضل، في مقابل إصرار الدولة النيجيرية على مبدأ الفيدرالية التي لا تمارسها بشكل مقنع أمام الشعب، فأعلنت الدولة المركزية، تقسيم إقليم بيافرا لثلاثة أقاليم منفصلة، فما كان من رئاسة الإقليم إلا الاستيلاء على المباني التابعة للحكومة الاتحادية، وإجبار شركات النفط الأجنبية العاملة بدفع الرسوم لحكومة الإقليم، وبدأت الحرب بين الحكومة المركزية وبيافرا، وانتهت بالقضاء على التمرد في يناير 1970.

تدرك الدولة النيجيرية أن الأيبو يهدفون لإنشاء دولتهم، خاصة أنهم تلقوا دعماً خارجياً من تل أبيب في بداية إعلان إقليمهم كدولة مستقلة عام 1967، أضف إلى ذلك أن الأيبو تعود جذورها للديانة اليهودية، ولا ننسى دور لشبونة في دعم متمردي بيافرا، بسبب دعم نيجيريا لاستقلال المستعمرات الأفريقية، التي كانت تحت الحكم البرتغالي، إلا أن أبوجا نجحت في الحفاظ على دولة موحدة، ومن الجدير بالذكر، أن جمال عبد الناصر عندما سُئل عن دور العرب في الحفاظ على وحدة الأراضي النيجيرية، قال: «لا أريد أن تنتكس أفريقيا بنكستنا، علينا أن نساعدهم، فبعض الدول يريدون إخافة هذه الأنظمة، ليسهل عزلنا عن أفريقيا جنوب الصحراء».

تجددت مطالبات بيافرا بالانفصال في 2016، ومن المرجح أنه لو فتح باب الاستفتاء، سيكون الانفصال هو الواقع.مُستقبلاً، أخشى أن يتحول إقليم بيافرا لساحة تصفية حسابات بين أطراف إقليمية ودولية، ستجد في نيجيريا، فرصة لزراعة جيوب مسلحة، ستزيد المشهد النيجيري تعقيداً، ولا أتوقع أن هناك من سيردد كلمة الراحل جمال عبد الناصر، عندما قال ذات يوم «لا أريد أن تنتكس أفريقيا بنكستنا».

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

Email