احتكار الصواب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقصد باحتكار الصواب لغة هو أن «أدّعى التفرّد به» مثل من يحتكر العقار «فيتخذه حِكْرًا» وحينما يصاب مسؤول «بمرض» احتكار الصواب ستخيم على العاملين معه أجواء خيبة الأمل. والسبب أن احتكار الصواب صورة من صور نرجسية الاعتداد بالرأي، ونموذج يصل أحياناً إلى عقلية «إن لم تكن معي فأنت ضدي».

فاحتكار الصواب، تهميش فج لاجتهادات الآخرين لأن صاحبه لم يعد يطيق استيعاب المخالفين له بالرأي، ويشيع روح الازدراء في العمل أو الأسرة فيفاقم بوادر عمى البصيرة. ويعكس احتكار الرأي أسوأ أشكال الحدية فينفر من صاحبه كل حامل لفكرة نيرة.

ويتجنب البعض تنبيهه بخطورة ما سيقدم عليه، حتى يقع في الفخ ويتعظ. لذا تجد «محتكر الصواب» في تخبط دائم لأنه أسير المكابرة. فهو لا يختلف عن تلك الجماعات أو الأحزاب السياسية التي تظن أنها على حق وتنسى أن ميدان الحياة مليء بالاجتهادات. لا يملك فيه أحد الحق المطلق. وليس هناك أبيض وأسود في خيارات الحياة، لأن الرمادي في بعض الأحيان لا يقل روعة وجمالاً. لذا نصيحتي الدائمة لمن يعملون مع المرشحين في الانتخابات: ألا تدافع عن مرشحك باستماتة وكأنك تدافع عن نبي أو تذود عن حياض الوطن.

فمعترك السياسة قائم على الاجتهادات. فحينما أفرح بسجن خصمي لأنه اختلف معي في الرأي فستدور الدائرة علي، في قادم الأيام، وسأدفع الثمن غاليا لأنني لم أؤمن بمبدأ الرأي والرأي الآخر. وهذا ينطبق على كل مؤسسة خاصة وعامة.

وينشأ احتكار الصواب من تداعيات تراكم تضخيم الأنا. واعتداد الفرد المبالغ فيه بمحاسن قومه. ولذا نجد أسرى الثقافات الأحادية الذين لم ينفتحوا على غيرهم، هم أكثر ميلا لممارسة «احتكار الصواب»، خصوصا إذا لم تنير عقولهم القراءة ولم يوطنوا أنفسهم على حسن الإصغاء لتجارب الآخرين.

وحينما تقرر أن تعيش في بلد يدين نحو 99 في المائة من شعبه بدين واحد، وثقافة وأعراف متطابقة، في ظل غياب قوانين رادعة للعنصرية فكيف نتوقع أن ينشأ بينهم من يحترم معتقدات الآخرين فضلا عن التعايش معهم.

وقد ينشأ التردد من قبول الرأي الآخر من أن تجربة ذلك الشخص محصورة في العمل بمؤسسة واحدة، أو ربما بسبب التشبث بمدرسة فكرية واحدة وترك رحابة سائر الأفكار. لذا تعلمنا في البحث العلمي ألا نستخدم لغة جازمة في الدراسات أو نمجد نظرية بعينها لأن كل نظرية مهما أشبعت بحثا تحمل في طياتها انتقادات علمية وجيهة. ومن باب أولى أن نمارس ذلك في قبول الرأي الآخر في ميدان الحياة والعمل.

لذا نردد في أدبيات العمل الإداري مقولة إنه إذا كان المسؤول ومرؤوسه يتفقان في كل شيء فإن أحدهما لم يعد له داعٍ للاستمرار بالعمل. فالاتفاق الدائم بالرأي ليس صحيا لأنه يفوت على متخذ القرار فرصة معرفة آراء أخرى أكثر وجاهة وربما عملية في التطبيق.

* كاتب كويتي

Email