مصر تحارب وتنتخب

ت + ت - الحجم الطبيعي

باءت بالفشل معظم المحاولات التي بذلتها جماعة الإخوان وأنصارها في الداخل والخارج، لحث المصوتين الذين يبلغ عددهم أكثر من 59 مليون ناخب، على مقاطعة الإدلاء بأصواتهم، في الانتخابات الرئاسية، التي يقفل باب التصويت فيها مساء اليوم الأربعاء.

وجاءت المحاولة الفاشلة لاغتيال مدير أمن مدينة الإسكندرية، ثاني أكبر المدن المصرية، قبيل يوم واحد من بدء عمليات التصويت بعكس النتائج التي استهدفت قوى الإرهاب الجهادي التابعة للجماعة تحقيقها، سواء تمثلت تلك الأهداف في إخافة المواطنين من الخروج من منازلهم تحسباً للمخاطر.

أو جاءت رداً على التصريح الذي أدلى به الرئيس السيسي، وهو يتابع مع جنود وضباط الجيش والشرطة سير العمليات القتالية في قلب سيناء، ويعلن من شبه الجزيرة أن مصر سوف تحتفل قريباً بتطهيرها من المتطرفين والإرهابيين، الذين سعوا منذ عام 2011 إلى تحويلها إلى ولاية في دولة خلافتهم المزعومة.

ويتعهد بالبدء الفوري في تنفيذ خطط تنميتها، التي غابت عنها منذ نصر أكتوبر عام 1973، فباتت منذئذ مرتعاً للإرهاب ولتجارة المخدرات والسلاح، والتهرب الجمركي والضريبي، وشاطئاً للهجرة غير الشرعية وغير ذلك من الأنشطة التي تنشأ خارج سلطة الدولة وقوانينها!

لم يعد الشعب المصري يخشى سوى عودة أوضاع الفوضى وعدم الاستقرار، التي عانى منها طويلاً، وتكبدت فئات كثيرة منهم تضحيات هائلة من شيوعها علي امتداد نحو أربع سنوات، منذ 25 يناير من نفس العام، وحتى نهاية عام 2014، من هدم لمؤسسات الدولة وهيئاتها ومنشآتها وتخريبها، فضلاً عن نهبها، بجانب السطو على المنازل والمنشآت الخاصة، وتعطيل مصالح المواطنين وعرقلة أمور حياتهم اليومية، وإحالتها إلى جحيم.

ولعل الصور التي بثتها الفضائيات لأهالي الإسكندرية وهم يتجمهرون بعد دقائق في موقع حادث السيارة المفخخة دون خوف أو رهبة، ويتحلقون حول مدير الأمن لتهنئته بالسلامة، كانت رداً بليغاً ينطوي على رسالة مبدئية ترفض الإرهاب والعنف كوسيلة للتعبير أو التغيير، وجاء تقاطرهم بكثافة في اليوم التالي على صناديق الاقتراع ليعزز هذا الرفض ويسانده.

تعلم المصريون من تجاربهم المريرة وازداد وعيهم بعد أن ضمت معظم بيوتهم وأسرهم أكثر من شهيد في عمليات إرهابية خسيسة، فقبلوا كل ألوان التحدي. وحين كانت جماعة الإخوان مطمئنة إلى أنها ستبقى على سدة الحكم في مصر خمسمائة عام، وأن أحداً لن يستطيع أن يقف في طريقها .

كما كان يؤكد قادتها، تصدى المصريون لصلفها وغرورها وفسادها وفشلها في إدارة شؤون البلاد بجسارة فاقت كل التصورات، بعد أن انكشفت أمامهم خديعة أنها جماعة تتحلى بقيم دينية وأخلاقية ومعنوية تحول بينها وبين الهيمنة والاستبداد والإقصاء والفساد المالي والإداري والمتاجرة بالدين. لم تأبه الملايين التي خرجت للشوارع في ثورة الثلاثين من يونيو 2013لإسقاط دولة المرشد،.

بالمساندة الغربية الأميركية والأوروبية للجماعة، التي انطلقت من تصور موغل في الوهم، يرى أنها الجناح الأكثر اعتدالاً من التيارات الدينية المتطرفة، وأنها بزعم هذا الاعتدال سوف تكون قادرة على لعب دور في صد الإرهاب الجهادي الذي يتخذ من دول الغرب مسرحاً لنشاطه.

ومع أن كل الأحداث الإرهابية في الغرب قد أثبتت تهافت هذا المنطق وضعفه، وأكدت أن كل جماعات الإرهاب الجهادي قد خرجت جميعها من معطف جماعة الإخوان، ومن رحم الأفكار الانعزالية والتكفيرية لمنظرها سيد قطب، لكن تغلغل المال الإخواني في معظم المؤسسات البحثية الغربية قد عزز تلك الفرضية الملفقة، وساهم في استمرار الترويج الغربي لها حتى الآن!

أدار المصريون ظهرهم للدعوات التي تحثهم على مقاطعة الانتخابات، وشاركوا في التصويت فيها بكثافة لهدفين لم يغيبا أبداً عن إدراكهم. الأول هو توجيه رسالة دعم لحملة الجيش والشرطة من أجل اجتثاث الإرهاب من سيناء والوادي، وتجفيف منابعه المادية، بمحاصرة داعميه ومموليه، بعد أن أسقطت تلك الحملة، واقعياً القيود التي تفرضها اتفاقيات كامب ديفيد على شكل التسليح في سيناء.

أما الهدف الثاني فيتمثل في الثقة التي ترسخت لديهم بأن استقرار أمن البلاد، وقوة مؤسساتها الدستورية من الصعب تحقيقه بعيداً عن مشاركتهم، وهو الخطوة الأولى في طريق شاق طويل لإعادة بناء مصر دولة ديمقراطية حديثة، تصونها نصوص الدستور الذي يعلي من سيادة سلطة المؤسسات والقانون وآليات الكفاءة والحساب والمساءلة.

ومن دور الدولة في التنمية الإنتاجية بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية، وحريات الرأي والتعبير والتنظيم التي تثري بالنقد والنقد الذاتي، ويصون حقوق المواطنة، التي ينيرها شعار الاستقلال الوطني: الدين لله والوطن للجميع.

رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» المصرية

 

Email