حصاد العاصفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

صادف أمس، الخامس والعشرون من شهر مارس، مرور ثلاث سنوات على بدء عمليات «عاصفة الحزم» في اليمن. وهي مناسبة نقف عندها لحساب المكاسب التي حققها التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، وإلى أي مدى كانت هذه العملية ضرورية للحد من تدهور الأوضاع في المنطقة، ومنع الحوثيين من بسط نفوذهم الكامل على أرض اليمن، وتقليم أظافر النظام الإيراني، الذي كان يتمدد دون رادع، ويجاهر بسيطرته على أربع عواصم عربية، من بينها صنعاء التي احتلها الحوثيون في شهر سبتمبر من عام 2014.

لن نتطرق إلى تفاصيل ما حدث في اليمن، منذ أن بدأ زحف الحوثيين للاستيلاء على السلطة، لأن هذا معروف للجميع، لكننا سنتساءل: ما الذي كان سيحدث لو أن التحالف العربي لم يتدخل لتغيير مسار الأحداث، ووضع حد لتغوّل الحوثيين المدعومين والموجهين من إيران، الساعية إلى إحكام قبضتها على اليمن، مثلما أحكمتها على عواصم عربية أخرى، وأصبحت صاحبة القرار فيهـا، أو شريكة فيه على الأقل، وغدت تجاهر بنفوذها في هذه الدول، وتقول إنها في طريقها إلى السيطرة على عواصم أخرى، كي تكتمل هيمنتها على المنطقة العربية؟.

لا شك أن ما كان سيحدث خطير، يتجاوز توقعات الخبراء والمحللين، لأن الهدف الذي أفصح عنه المسؤولون الإيرانيون، وهم في قمة نشوتهم بانتصاراتهم، لم يكن تلك العواصم الأربع فقط، وإنما مكة المكرمة، العاصمة الدينية والروحية لكل المسلمين في العالم.

ألمح إلى هذا حيدر مصلحي وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد، وأكد أن «إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو». وأكد أن «الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود»، وأن «جماعة الحوثيين في اليمن، هي إحدى نتاجات الثورة الإيرانية».

وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تصريحات عن قادة سياسيين وعسكريين في إيران حول توسع نفوذهم في المنطقة العربية بواسطة الجماعات والمليشيات الطائفية التابعة لطهران، فقد سبقه الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، حين قال إن «المسؤولين في إيران لم يكونوا يتوقعون هذا الانتشار السريع للثورة الإسلامية خارج الحدود، لتمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان».

وفي هذا الاتجاه، جاءت تصريحات مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات، علي يونسي، التي اعتبر فيها العراق «عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة»، على حد زعمه.

وكان نائب قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قاءاني، قد قال هو الآخر، إن «إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة، وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة».

كل هذه التصريحات من مسؤولين إيرانيين، لهم مكانتهم ونفوذهم في صنع القرار، تجعل من تحرك التحالف العربي لوقف التمدد الإيراني في اليمن، ليس مبرراً فقط، وإنما ضرورياً، فإلى أي مدى استطاع التحالف أن يحقق هدفه، وما المكاسب التي أحرزها خلال السنوات الثلاث الماضية؟.

ثمة أهداف كثيرة تحققت، وليس هدفاً واحداً، وأول هذه الأهداف، هو استعادة الشرعية في اليمن، حيث أصبحت الدولة تسيطر اليوم على 85 % من الأراضي اليمنية.

وهذا هدف ما كان سيتحقق لولا «عاصفة الحزم»، التي كانت قراراً شجاعاً وصائباً، كبح التهديد الإيراني للأمن الإقليمي، ومنع العدوان على شبه الجزيرة العربية، وقلص من سيطرة جماعة الحوثي التي تديرها وتمولها إيران، وتعتبرها الذراع القوية لها في اليمن، تماماً كما هو «حزب الله» ذراعها القوية في لبنان، ناهيك عن أذرعتها القوية الأخرى في العراق وسوريا وفلسطين، وفقاً لتصريحات قادتها ومسؤوليها.

ليس هذا هو المكسب الوحيد فقط، فثمة مكاسب أخرى حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال التحالف الذي كونته مع المملكة العربية السعودية ودول شقيقة، منها أن دولة الإمارات، أثبتت أنها قوة عسكرية قادرة على حماية المكتسبات، وضمان أمن المنطقة، كما أثبتت أنها قادرة على حماية أمنها ومكتسباتها، ولديها من الإمكانات العسكرية، ما يمكنها من ردع أي تهديد لأمن المنطقة، فقد أصبح الجهد العسكري الإماراتي في اليمن، محل تقدير لدى دول العالم، لما أظهرته القوات الإماراتية من احترافية قتالية، تضاهي أعرق وأكبر الجيوش العالمية.

كما أظهرت هذه الحرب، مدى التفاف شعب دولة الإمارات حول قيادته، وذلك من خلال تقبل الشعب لقرارات القيادة، التي ثبت أنها حكيمة دائماً، تأتي في الوقت المناسب، ومن خلال التضحيات التي قدمتها القوات المسلحة الإماراتية في اليمن، والشهداء الذين لبوا وضحوا بأرواحهم من أجل نجدة الأشقاء في اليمن، تلبية لنداء الواجب، وحماية لأمنهم القومي، ومن خلال تقبل أسر الشهداء لهذه التضحيات، واستعدادهم لتقديم المزيد من أبنائهم، لاقتناعهم بأن في هذا مصلحة للوطن والأمة.

ولم يكن الحوثيون هم الهدف الوحيد لعاصفة الحزم، فقد شن التحالف العربي، والقوات الإماراتية خاصة، حرباً لا هوادة فيها ضد تنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى في اليمن، فتم إضعاف تنظيم القاعدة إلى حد كبير، وتراجعت قوته القتالية، ولم يعد يشكل تهديداً للعالم الخارجي، بل أصبح يصارع من أجل البقاء فقط.

لهذا، نقول إن حصاد ثلاث سنوات من «عاصفة الحزم» كبير، وأهمه، أن الطريق لم يعد ممهداً أمام الزحف الإيراني على المنطقة، كما كان الإيرانيون يخططون، فقد أصبح لنا درع وسيف، وهذا هو المكسب الأكبر.

*كاتب إماراتي

Email