آفة الحوار.. المرأة أم الرجل؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يقاطع الطرف الآخر في الحوار أكثر المرأة أم الرجل؟ الإجابة عن هذا السؤال لا تخلو من تحامل، أو مبالغة أو اعتقاد شائع وقلما تجد ردا علميا رصينا. وهذا ما دفعني لتأليف كتابي، ربما الأول من نوعه في المكتبة العربية، بعنوان «لا تقاطعني!» وفيه دراستان علميتان. ويبدو أن الإجابة عن هذا التساؤل شغلت أيضا العالمين أندرسون وليبر فجمعا في دراسة كبيرة meta-analysis نتائج 43 بحثا علميا عكفا على محاولة التدقيق في نتائجها من جهة من يقاطع أكثر ومتى وأين ولماذا تحدث «آفة الحوار» (المقاطعة).

فتبين أن معشر الرجال هم أكثر ميلا لاستخدام المقاطعة في حواراتهم من النساء، وحينما كانت الدراسات السابقة تدرس المقاطعة الاقتحامية intrusive التي فيها شيء من المباشرة أو الحدية فإن تأثير الرجال كان ملحوظا. غير أن دراستين كبيرتين للباحثين جيمس وكلارك وأخرى لأريس، لم تظهرا ذلك مطلقا، لكن كل الدراسات الثلاثة أجمعت على أن الرجل هو من يبدأ بالمقاطعة.

وتبين أن الأبحاث التي اختبرت الأحاديث الحقيقية مقارنة بالمختبرات قد أظهرت فارقا جوهريا، حيث إن الناس في أحاديثهم اليومية العفوية يقاطعون أكثر من جلسات الاختبارات (في المختبرات) أو في بيئات العمل الرسمية والاجتماعات. وهو ما يعني أننا أكثر تحفظا حينما نكون في أماكن رسمية، فنبتعد أكثر عن المقاطعات التي تقطع حبل أفكار المتحدثين. وإن كان البعض لا يتخلى عن عاداته السلبية في هدم روعة أجواء الاجتماعات والنقاشات البناءة بمقاطعات ليست ذات أهمية، حيث كان يمكن أن ينتظر فتأتيه الإجابة في سياق الحديث، لو كان يملك آذانا صاغية.

وأهم ما في قضية المقاطعة الإشارة إلى أن هناك مقاطعة محمودة يجب ممارستها في الحوار مثل عند محاولة بسط نفوذ في اجتماع متسيب، أو لوقف ملاسنة حادة أو الخروج المتكرر عن صلب الموضوع والأحاديث الجانبية وغيرها. مقاطعة المتحدث ينبغي أن تكون لهدف محدد كتصحيح معلومة، أو طرح سؤال في الوقت المناسب أو ليزف صاحبها نبأ مهما مثل تلك الحادثة الشهيرة التي همس فيها موظف رفيع في أذن الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) أثناء إلقاء الأخير لخطاب أمام عدسات الإعلام ليخبره بأن قد تم إلقاء القبض على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، في الحفرة الشهيرة.

كما إن المتحدث نفسه يلعب دورا محوريا في تجنيب نفسه عناء هجوم المستمعين عليه بالمقاطعات، وذلك حينما لا يحتكر الحديث، ويختم فكرته بأقصر عدد من الكلمات البليغة، ليمنح المستمعين ثواني من صمته لكي يدلوا بدلوهم. هكذا يعين المتحدث الآخرين على عدم مقاطعته. وهكذا ينسجم الرجل مع المرأة في أي حديث بعيدا عن آفات الحوار. فشواهد الواقع تشير إلى أن انخراط المرأة في بيئات الأعمال وارتفاع مستوى خبرتها وتعليمها جعلها تستحق أن تمنح آذانا صاغية، وقبل ذلك لذاتها ولكونها امرأة تمثل نصف سكان الكرة الأرضية!

* كاتب كويتي

Email