أين الضريبة من أرباح البنوك؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مقال لي نشر في البيان استعرضت فيه أعمال مؤتمر القمة العالمية للحكومات في دبي لعام 2018، وأشرت إلى خطاب ألقاه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية، وفي هذا الخطاب حقائق يتطلع إليها العالم في مجال التعليم التقليدي والوصول إلى التطور والتجديد لكي يكون ملائماً لما تتطلبه الثورات الصناعية القادمة، خلال فترة لا تزيد على عقد من الزمن (1)، وكانت الغاية من حديث الشيخ عبدالله بن زايد هي أن تكون الإمارات مساهمة في مجال هذا التطور للمنظومة التعليمية والأخذ بالأسباب المؤدية إلى الخروج من التعليم التقليدي السائد والمشاركة مع الجهود المبذولة في العالم من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة.

ولا شك في أن عملية التحول والسير مع قافلة التطوير والإسهام مع المتطلبات المتقدمة فيما تراه وتخططه من أجل مستقبل تعليمي أفضل، يتطلب بجانب الاهتمام الإنساني والهمة العالية، المال الوفير، الذي لا بد من رصده لتحقيق ما تصبو إليه الإدارة، فالمال هو عصب أية عملية تطويرية، وخاصة في مجال الخدمة التي تؤديها الدولة للمجتمع، ومن دون رصد المال الكافي يكون المشروع متباطئاً ولا يستطيع بسير وئيد مجاراة الغير من المتطورين والمجددين.

والواقع أن من يظن أن الدولة الفيدرالية الإماراتية عندها من الإمكانيات المالية ما تستطيع به أن تقفز بمشروعاتها الخدمية إلى مدى بعيد، فإنه ليس مصيباً، لأن الميزانية الاتحادية تأتي من مساهمات الإمارات كل على قدر ما يُيسر لها، وعلى مداخيل الخدمات التي توفرها أجهزة الدولة لعموم الناس.. وتأتي الضريبة المضافة التي تم تطبيقها في بداية العام الحالي لتضيف إلى الميزانية مقداراً معيناً لا أعتقد أنه كاف لإحداث ثورة تعليمية من تلك التي تحدث عنها الشيخ عبدالله بن زايد وآخرون في المؤتمر الذي جئنا على ذكره في ما سبق.. ناهيك عن خدمات أخرى تريد الدولة تطويرها للمنافع العامة.

إذن، نحن أمام معضلة لا بد من إيجاد حلول عملية لها، وفي رأس هذه الحلول توفير المال ودعم الميزانية الاتحادية لكي تكون في مستوى تستطيع فيه حل المعضلات، ومنها تطوير التعليم النظري والمهني في الدولة، وجعل الإمارات أحد أهم المراكز في العالم الذي يسير من طور متقدم إلى طور يليه بخطوات غير متوانية.

وفي جريدة البيان الاقتصادي بتاريخ 14 فبراير الحالي، عنوان كبير ملفت للنظر والانتباه، ويشير إلى أن أرباح 17 بنكاً من البنوك الوطنية بلغت قرابة 39 ملياراً من الدراهم، أي حوالي أحد عشر ملياراً من الدولارات، وهذه الأرقام كما نرى أرقام من النادر أن تحققها بنوك وطنية عاملة في المنطقة العربية، وأنها ولا شك دليل على أن الإمارات صاحبة سوق نشطة واقتصاد نشط وعالمية الصفة في الصفقات المالية والتجارية.

ولو بحثنا عن الذين تؤول إليهم هذه الأرقام الكبيرة من المال لوجدنا أن 80% من هذا الرقم هو ملك لأفراد قليلين من الناس، وما العشرون الباقية إلا فتات تؤول إلى جمع كبير من المساهمين من ذوي الدخول المتوسطة.. وهنا يأتي سؤال ملح يبحث عن الجواب.. ماذا تستفيد الدولة وماذا يستفيد البلد من هذه الثروة الطائلة التي تتكدس طبقاً فوق طبق في أيدي أفراد قليلين، وما الذي يساهم به هؤلاء الأفراد في تنمية البلد والمجتمع؟!، والجواب واضح، المساهمة شبه معدومة وإن وجدت فإنما هي في درجة متواضعة لا تذكر، وتضخم أحياناً إعلامياً.

وهنا نرجع أيضاً إلى مشاريع الدولة التنموية وأهمها تطوير التعليم، والتطلع إلى أن نضع أنفسنا في سباق مع المجتمعات التي تشق طريقها نحو الأخذ بكل أسباب التطور والتجديد، ولا سيما كما قلنا في مجال العلم والتعليم.. والسبيل إلى الوصول لهذا الهدف هو توفير المال اللازم.. وإني أقترح كخطوة أولى أن تضع الدولة قانوناً ضريبياً بنسبة لا تقل عن 10% من دخل كل من يتجاوز دخله 20 مليون درهم في أسهمه في البنوك، وإعفاء من يقل دخله عن هذا الرقم، ورصد المداخيل الضريبية للارتقاء بالتعليم إلى المستوى الذي نتطلع إليه.. وللمعلومية فإن حصيلة الـ10% من أرباح البنوك تصل إلى ما يربو على ثلاثة مليارات ونصف مليار من الدراهم!.. وسوف تصل هذه الدخول الضريبية من البنوك وحدها خلال عقد من الزمن إلى 35 مليار درهم، ونكون بذلك قد حققنا مستوى عالياً من التعليم ومن الصحة ومن خدمات اجتماعية أخرى، لصالح المواطن والمقيم، ونجعل من الإمارات واحة يتمنى كل إنسان أن يتخذها مقراً لعيشه.

1- مقال «مؤتمر القمة العالمية للحكومات والحديث عن التعليم» ــ نشر في «البيان» بتاريخ 14- 2 - 2018

Email