انتخابات العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عالم اليوم لم يعد ما يجري في بلد ما شأناً يخصه لوحده بل شأن إقليمي وقد يكون دولياً، حسب أهمية هذا البلد أو طبيعة الحدث الذي يجري فيه أو ظرفه الزمني. الانتخابات الرئاسية تختلف أهميتها حسب أهمية الدولة التي تُجرى فيها وموقعها في النظام العالمي أو النظام الإقليمي، وفق هذا المنظور تعتبر الانتخابات النيابية في العراق، وهي انتخابات رئاسية في الوقت نفسه، ذات أهمية خاصة في الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.

تأتي هذه الانتخابات في ظروف معقدة محلياً وإقليمياً، حيث تتفاقم الفوضى في المنطقة ويشتد عنف المخاض لمولد توازنات جديدة قد تدفع بها إلى واقع جديد من الصعب التكهن بمعالمه في ضوء التنافس المحموم بين القوى الإقليمية والدولية لتحويل حالة الفوضى هذه إلى انعطافه في التوازنات لصالح سياسات تعاني من إعاقات متنوعة.

فالعراق منذ سقوط النظام السابق أصبح محور اللا استقرار الذي أشعل كل النيران الكامنة تحت الرماد في المنطقة بعد أن أصبحت جدرانه غير قادرة على وقف التدخلات في شؤونه الداخلية إلى الحد الذي شلت القدرات على إعادته إلى الأوضاع الطبيعية.

سواد الشعب غير متفائل بما ستأتي به الانتخابات ولم يعد متحمساً للاشتراك فيها حسب ما تعكسه وسائل الإعلام ميدانياً، فمخرجات الانتخابات السابقة لم تلامس الحدود الدنيا من طموحاتهم، فأحوالهم وأحوال مدنهم بجميع مرافقها لا تعكس سوى التداعي والفاقة والإهمال رغم دخل العراق الكبير من النفط. ولم تفلح جميع الوسائل التي لجأت إليها شرائح واسعة من الشعب في التعبير عن غضبها في مسيرات وتظاهرات واعتصامات في صنع تحسن ملحوظ في الأوضاع.

الفشل الذي أدمنته النخب السياسية لم يمنعها من تصدر التحالفات الجديدة التي دخلت الحملة الانتخابية ولم يعمل هذا الفشل على فرز واضح لتحالف له فرصة للفوز لإصلاح الأوضاع على مختلف الصعد.

في سياق ذلك لا يخفي سياسيون عراقيون قلقهم حول مستقبل العملية السياسية بعد الانتخابات النيابية في الثاني عشر من مايو المقبل وذلك لدخول عوامل جديدة لم تكن بهذه القوة في الانتخابات السابقة، وهي الحشد الشعبي الذي يتشكل في الأصل من مجموعات مليشياوية مسلحة.

هذا إضافة إلى أن إجراء الانتخابات في موعدها لم يحظ بإجماع الفرقاء بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها عدد من المحافظات والتي تعيق عملية انتخابات شفافة وحقيقية وهو ما يطرح التساؤلات حول قدرة الحكومة المركزية وحكومات هذه المحافظات في إعادة ما يقرب من مليوني نازح إلى مدنهم وذهابهم أو غالبيتهم إلى صناديق الاقتراع؟.

الولايات المتحدة هي الأخرى لا تشعر بالارتياح لما تتسم به الأجواء الانتخابية من فوضى، فهي ترى بأن تأثيرها في مساراتها تبدو أضعف من ذي قبل لسببين أولهما صعود قوى الحشد الشعبي الذي لا يخفي عداؤه لها ولا ينفك عن مطالبتها بالانسحاب من العراق، خاصة أن تنظيم داعش لم يعد له وجود ملموس، وثانيهما تراجع علاقاتها مع الكرد إثر موقفها السلبي من الاستفتاء على الاستقلال الذي أصرت حكومة كردستان على القيام به في سبتمبر من العام المنصرم.

فهي على الرغم من انغماسها المتزايد في شؤون المنطقة في سوريا والعراق لم تتمكن من تحقيق أبرز أهدافها وهو إقامة معادلات توازن تطمئن فيها على مصالحها ثم مصالح حلفائها. فالوضع في سوريا يزداد تعقيداً مع تدخل تركيا عسكرياً في عفرين وزيادة حجم الصدع في علاقاتها مع هذا الحليف الآسيوي القوي.

إلا أن ذلك لم يدفعها إلا إلى الإصرار على البقاء في سوريا وفي العراق فهي تعلن على لسان نائب وزير خارجيتها جون سوليفان في الخامس من فبراير الجاري، أنها لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق الذي ارتكبته إدارة الرئيس أوباما مما أدى إلى تراجع الأوضاع الأمنية إلى الحد الذي سمح بظهور تنظيم داعش، فانسحاب القوات الأميركية الذي أعلن عنه شمل قطعات لا يتجاوز تعدادها المئات من الصنوف التي لم تعد الولايات المتحدة بحاجة لها في العراق.

التوقعات ترى بأن لرئيس الوزراء العبادي وتحالفه حظاً أوفر من غيره فقد حقق بعض الإنجازات التي ميزته عن سلفه إلا أن طموحات العراقيين بعد سنوات المعاناة الطويلة أكبر من أن يستطيع العبادي مقاربتها وهو يقبع في خيمة حزب الدعوة الذي ينتمي إليه ولا يرغب في مغادرته وهي إشكالية تهدد طموحه بالحصول على توكيل لدورة رئاسية ثانية.

* كاتب عراقي

Email