من يرهب من في فلسطين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلغ استحماق النخب الأيديولوجية والسياسية الحاكمة في تل أبيب على الخلق، حد إضفاء مفهوم الإرهاب بكل قماءته، على أي حراك فلسطيني مقاوم لمظاهر الاحتلال الإسرائيلي.

بناء على ذلك، لا يتعين عليك الاستهجان إذا ما عثرت في خطابات هذه النخب، على مصطلحات من قبيل «الإرهاب الشعبي» لوصف تظاهرات الفلسطينيين السلمية ضد جنود مسلحين حتى الأسنان؛ و«الإرهاب الاقتصادي» لوصف جهود مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ولاسيما المصنعة منها في المستوطنات.

و«الإرهاب الفني» لوصف الإبداعات الفنية التي تعزز الصلابة المعنوية والروحية في وجه الغزوة الصهيونية المغرورة؛ و«الإرهاب القانوني» لوصف التوجه إلى محاكمة إسرائيل ومسؤوليها والإصرار الفلسطيني على الالتحاق بالمنظمات الدولية.

اتساقاً مع هذا السياق الملتاث، تشهد إسرائيل راهنا جدالا حول أحدث مبتكرات هذه الصرعة، وهو ما يسمي بـ«إرهاب البناء». والأمر على ذمة نفر من المتجادلين هناك، أن بعض أعضاء الكنيست؛ المنتمين لأحزاب وقوى مشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو، يشكون من قيام الفلسطينيين في الضفة ببناء مدرسة بالمنطقة (ج) الخاضعة تماما للسيطرة الإسرائيلية، وذلك بدعم من مانحين أوروبيين.

الساخر في هذه المسألة أن المدرسة موضوع هذا الحديث، ليست سوى مجموعة من السواتر المكونة من إطارات السيارات، وقد اضطلع بعض البدو من قبيلة الجهالين، القاطنين بجوار مستوطنة معاليه أدوميم، برصها وتصفيفها.

ويدعي مستعمرو هذه المستوطنة من أن هذا «الصرح» يخلق أمراً فلسطينياً واقعاً؛ يحرمهم من التمدد في المنطقة المحيطة بهم؛ التي يتربصون بها ويضعون أعينهم عليها.

هذا المشهد لا يخلو من كوميديا سوداء؛ لكنه لا يفتقر أيضاً للدلالات العميقة. فالمنطقة (ج) تبقى من الناحيتين التاريخية والحقوقية والسياسية أرضاً فلسطينية محتلة منذ العام 1967، حتى وإن لم تحسم مفاوضات التسوية كيفية الانسحاب الإسرائيلي منها من الناحية الإجرائية.

بيد أن ما يروج له الإسرائيليون هو أنها مجرد منطقة «متنازع عليها». وعليه فإن «إنشاء كل خيمة وإسطبل وأنبوب مياه فيها، يحتاج إلى رخصة إسرائيلية عادة ما لا تمنح. ومن يريدون إسكان زوجين شابين في غرفة خاصة بهما، أو نصب خيمة بالية تدلف منها الأمطار، أو بناء صف في روضة أطفال، لا يجب عليهم مخالفة قوانين السيد الإسرائيلي»!.

المنطقة (ج) تشغل نحو 60% من مساحة الضفة المحتلة، وحرمان الفلسطينيين من إعمارها أو التصرف في أرضها ومائها ومواردها، يعني كف أيديهم عن الجزء الأكبر من دولتهم العتيدة.

وطالما أن الأفق السياسي لا يبشر بانطلاق مفاوضات جادة وبنية إسرائيلية حسنة، فإن هذه المساحة تظل رهينة للسياسات الإسرائيلية الطليقة بلا رقيب أو حسيب. هذا شأن لا يجب السكوت عليه.

المدهش أن المخرز الإسرائيلي هو الذي يشكو من الكف الفلسطيني؛ الذي يقاوم دفاعاً عن أرضه بإقامة خيمة إيواء أو مدرسة من إطارات الكاوتشوك المهترئة.

والأدهى أن بعض الإسرائيليين يطالبون حكومتهم بمعاتبة الاتحاد الأوروبي أو حتى معاقبته على «وقاحته في تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين، يستخدمونها في مخالفة القوانين وممارسة إرهاب البناء في أرض متنازع عليها».

ويزهو هؤلاء المتبجحون بأنهم حققوا في العام 2017 تقدماً كبيراً في هدم كثير مما بناه الفلسطينيون في هذه الأرض.

لا يسأل الإسرائيليون أنفسهم عما يعنيه وجود أكثر من مئتي مستوطنة، يسكنها زهاء نصف مليون يهودي، مبتوثين عنوة في أحشاء الضفة والقدس؛ التي تصفها الشرعية الدولية بالأرض المحتلة تارة وتنسبها لدولة فلسطين تارة أخرى.

وعلى فرض أخذنا جدلاً بتوصيف «الأرض المتنازع عليها»، فمن الذي سمح لإسرائيل وحدها بالتوسع في هذه الأرض بكافة أرقامها أ وب وج ؟ وما المفهوم المناسب للتعريف بهكذا عدوان ظاهر وباطن غير «إرهاب الدولة الاستعمارية»؟ حقاً لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون.

 

 

Email