الانتخابات الرئاسية في مصر والتنافسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل مشهد الانتخابات الرئاسية في مصر لعام 2018، مرحلة جديدة في اللحظات الأخيرة، وقبل غلق باب الترشح، وفقاً للجدول الزمني، الذي أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات، وذلك بترشح المهندس موسى مصطفي موسى رئيس حزب الغد للسباق الرئاسي في مواجهة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسى؛ وبذلك يتحول السباق الرئاسي الانتخابي إلى سباق تنافسي- على الأقل من الناحية الرسمية والقانونية- ومع ذلك فإن تراجع الكثيرين عن خوض هذا السباق إما بسبب المخالفات القانونية وإما بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني من التوكيلات التي تؤهل المرشح للتقدم يظل ملمحاً بارزاً لهذه الانتخابات، كما أن التنافسية والتعددية ليست بالزخم الذي كان متوقعاً، خاصة بعد انطلاق الخيال السياسي للمصريين بعد ثورتين في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 والثلاثين من يونيو عام 2013 وازدهار خطاب التنافسية في السياسة.

وبصرف النظر- مؤقتاً- عن الظروف والملابسات التي دفعت بحزب الغد لتقديم رئيسه مرشحاً محتملاً لهذه الانتخابات الرئاسية والتأخر في اتخاذ هذا القرار، فإن ذلك لا يقلل من القيمة المعنوية والرمزية لوجود منافس للرئيس المرشح عبد الفتاح السيسى، ذلك أن هذا الترشح لرئيس حزب الغد يسهم في إنقاذ هذه الانتخابات من شبهة الاستفتاء التي كان من الممكن أن تلحق بها بالذات على الصعيد الخارجي رغم عدم صحة ذلك من الناحية القانونية.

يمكن افتراض أن الدولة لم تكن تتوقع هذا المشهد قبل ظهوره على هذا النحو، وكان من الممكن في حالة توقعه أن تسعى جاهدة لتشجيع بعض قادة الأحزاب والشخصيات العامة على الترشح والمنافسة، بالتأكيد أن ذلك يعزز من دور الدولة في تأسيس جديد للمنافسة والتعددية، وترسيخ ثقافة سياسية جديدة تقوم على التنوع وتعدد الرؤى والتوجهات والبرامج.

بيد أن اضطلاع الدولة بدورها في التأسيس للتنافسية والتعددية لا يغفل ولا يقلل من مسؤولية الأحزاب والنخب السياسية من النشطاء والمواطنين، فالأحزاب والنخب تتحمل قسطها من المسؤولية، ذلك أنه ورغم كثرة هذه الأحزاب، إلا أن غالبية هذه الأحزاب يشوب إدراكها للشأن العام والممارسة السياسية قصور متعدد الجوانب، في مقدمة ذلك يجيء اقتصار تصور هذه الأحزاب للسياسة باعتبارها مجرد الوصول للحكم والسلطة، وهو تصور نخبوي ضيق للغاية؛ ذلك أن هذه المرحلة من السياسة أي الوصول للحكم لا يمكن أن تكون بداية السياسة، بل تتويج الممارسة السياسية والتواجد الدائم في كل مستويات المجتمع، والعمل على استنهاض المجتمع والقوى الحية فيه، من خلال المشاركة والوعي والبناء والتأسيس لمجتمع مدني يعي ذاته، ويعي إمكاناته، كذلك فإن العمل السياسي لا يمكن أن يكون موسمياً أو مناسباتياً، بل عمل دائم وفق رؤية طويلة المدى تستهدف المجتمع أولاً، والكشف عن طاقاته وإمكاناته ووعيه بهذه القدرات والإمكانات، وفي هذه اللحظة أي لحظة اكتشاف المجتمع لإمكاناته الذاتية وقدراته سوف تكون الأحزاب التي أسهمت في خلق هذه الحالة تمتلك كوادر وبرامج وثقافات تمكنها من قيادة المجتمع والتنافس على هذه القيادة.

من ناحية أخرى فإن الزعم بأن المناخ غير مهيأ للمنافسة والتعددية، مردود عليه بأن خلق مناخ هذه المنافسة وتلك التعددية، لن يأتي من فراغ ولن يأتي منة من أحد أو أنه يجيء من قوة خارج إرادتنا؛ على العكس من ذلك فإن خلق هذا المناخ يأتي عبر المحاولة ومن خلال الاشتباك مع الواقع وتطويعه لقبول المنافسة وقواعدها وآلياتها وفتح الثغرة تلو الأخرى للتعددية والبرامج المختلفة والرؤى غير المتماثلة؛ بشرط توافقها مع القانون والدستور ومبادئ الممارسة السلمية للعمل السياسي، وما لم نبادر من الآن ونتوجه من اللحظة الراهنة نحو استنبات هذه التنافسية في واقعنا.

وتزداد أهمية ذلك إذا ما أدركنا أن نصيب أي مرشح في مواجهة المرشح الحالي الرئيس عبد الفتاح السيسي يبدو ضئيلاً وهو الأمر الطبيعي، نظراً لدور الرئيس الحالي في استعادة الدولة والأمن ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية على مدار السنوات الأربع الماضية.

* كاتب ومحلل سياسي

Email