نحن لا نتنبأ.. ولكننا نتوقع

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المنتدى الاستراتيجي العربي، الذي انعقد الأسبوع الماضي في دبي، اختلفت آراء الحضور والمحاضرين حول بعض القضايا التي تناولها المنتدى، واتفقت حول بعضها، إلى درجة أنّ التوقعات التي أظهرتها نتائج الاستبيانات التي كان يجريها منظمو المنتدى خلال الجلسات، كان الجمهور ينقسم خلالها إلى 48 % و52 % بين نعم ولا، الأمر الذي يعكس حجم الاختلاف في التوقعات بين المتحدثين في المنتدى، الذين كانوا على درجة عالية من العلم والاختصاص والخبرة في المجالات التي تحدثوا فيها، وبين الحضور الذين كانوا على درجة عالية من الثقافة والعلم والاطلاع في هذه الموضوعات، بما يعني أننا لم نكن في جلسة تنبؤات، وإنما توقعات قائمة على معلومات وتحليل لأحداث عام مضى، وتوجهات الحكومات ومصادر صنع القرار خلال عام مقبل.

مثل هذه المنتديات، ليس بالضرورة أن تصدق توقعاتها تماماً، لكنها تقترب من الحقيقة كثيراً، لأنها تبقى في خانة التوقعات، وليس الأمنيات، وثمة فرق كبير بين التوقعات القائمة على المعلومات، وبين الأمنيات القائمة على العواطف، لذلك، فإن الذين صوتوا، على سبيل المثال، لصالح حدوث انفراج في الأزمة اليمنية خلال عام 2018، كان تصويتهم قائماً على أمنيات غالباً، وإن كانت المؤشرات التي نراها على أرض الواقع، تدعم هذه الأمنيات، لأن المنتدى يركز على استشراف المستقبل، وفهم أعمق للقضايا الجيوسياسية والاقتصادية الرئيسة المؤثرة في مستوى العالم العربي والمجتمع الدولي، ويضم مجموعة من قادة العالم والمفكرين لمناقشة أهم القضايا القائمة، ويمثل شبكة للتواصل، تضم مجموعة من الجلسات التي تساعد على فهم أفضل للتوجهات المستقبلية جيوسياسياً واقتصادياً على صعيد المنطقة والعالم، بهدف الوصول إلى عالم أفضل، ومع هذا، سنغلّب جانب الأمنيات على جانب التوقعات، رغم أن التوقعات التي استمعنا إليها في المنتدى، لم تكن كلها سلبية أو محبطة.

نتمنى فعلاً أن تتجه الأزمة اليمنية إلى الانفراج، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي حدثت فيها، والتقدم الذي تحققه قوات الشرعية، بمساندة من قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لأنه ليس من صالح أحد، سوى إيران وعملائها الحوثيين بالطبع، أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لأنهم هم المستفيدون الوحيدون منه، بينما يعاني الشعب اليمني من ويلات الحرب وشرورها، ويعيش أزمة إنسانية، لم يعشها من قبل على مدى تاريخه.

كما نتمنى أن تتجه الأزمة السورية أيضاً إلى الانفراج، خاصة بعد المؤشرات الأخيرة التي تنبئ عن توافق القوى الكبرى ذات النفوذ الأكبر والتأثير الأكثر في الساحة السورية، على حل الأزمة بالشكل الذي يحقق لكل طرف جزءاً من مطالبه، وليس كلها بالتأكيد، لأن هذا ضرب من المستحيل لا يمكن تحقيقه.

ونتمنى بالتأكيد أن تعود قطر إلى حاضنتها الطبيعية، مجلس التعاون الخليجي، بما يحفظ أمن واستقرار دول المجلس، وأن تبتعد عن حضن الإيرانيين والأتراك، ومنظمات الإرهاب التي تستغلها لزعزعة أمن جاراتها الخليجية، وشقيقاتها الدول العربية التي تتعرض لهجمة إرهابية شرسة من قبل المنظمات الإرهابية التي تمارس أبشع أشكال القتل والعنف والترويع ضد السكان الآمنين، بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة، وهي أبعد ما تكون عن الإسلام الحنيف وتعاليمه التي يعرفها الجميع، ويعرفون أنها لا تقر العنف والقتل والتطرف. وتبقى القدس التي يتاجر البعض بقضيتها، ويعتلون المنابر للدفاع عنها في الظاهر، بينما هم يتحالفون مع محتليها، ويعقدون الاتفاقات معهم، تبقى هي القضية الأولى التي نتمنى حلها.

أمنيات لم تخلُ منها جلسات المنتدى ونقاشاتها، وإن كانت قد راوحت حولها التوقعات، بين من تفاءل فتوقع تحققها، ومن كان متشائماً نوعاً ما، فتوقع أن يتأخر تحقيقها عن عام 2018. وقد رسم المشاركون في المنتدى، صورة إيجابية لاقتصادات المنطقة خلال العام المقبل، رغم التحديات المتوقع أن تواجهها المنطقة.

وكان أكبر المتفائلين كعادته، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي توقع أن دولاً عربية كبيرة، ستشهد إصلاحات اقتصادية ضخمة خلال 2018، وأعرب عن أمله في أن يكون عام انفراج لبعض الأزمات العربية الحادة، وأشار إلى أن المنطقة ستشهد متغيرات ستكون محصلتها إيجابية بالنسبة لدولة الإمارات، لأنها الأكثر استعداداً سياسياً واقتصادياً وعلمياً، ولديها حركة تجارة قوية وخبرات كبيرة، تؤهلها للتعامل والاستفادة من كل المتغيرات، وقال إن العالم العربي يمر بمتغيرات متسارعة سياسياً واقتصادياً، وإن الدول التي لا تواكب سرعة التغيرات، تخاطر بالتأخر عن الركب سنوات.

بهذه الروح، ترسل دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال قادتها وشعبها ومنتدياتها، رسائل إيجابية نحتاجها في هذا التوقيت، ليست كحقن تخدير تجعلنا ننسى الحاضر بكل مساوئه، وإنما كمحفزات تجعلنا نتخلص من حالة الإحباط التي يمر بها أغلب المواطنين العرب، إلى حالة من النشاط والحيوية، نحن أحوج ما نكون إليها، لنخرج من النفق المظلم الذي تمر به الأمة العربية، كي نرى النور، ونعمل في النور، وننشر النور في كل مكان، بعد حقبة الظلام التي أحاطت بالأمة من جهات الأرض الأربع، وجعلتها عرضة للنهش والتفتت والتغول عليها من كل الأمم، ليس لخلل في الثوابت التي قامت عليها، وإنما لخلل في نفوس الذين يعتقدون أنهم يدافعون عنها، وهم أكثر الناس إضراراً بها، وإساءة إليها.

نحن لا نتنبأ.. ولكننا نتوقع. هذا ما أراد المنتدى الاستراتيجي العربي أن يقوله، فللتنبؤات عرافوها، وللتوقعات خبراؤها.

Email