الحاكمية والولاية والهبل التاريخي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الوضع الطبيعي لنظام الحكم، أن يكون إما دكتاتورية دينية قائمة على حق الملوك الإلهي في العصور الوسطى، أو دكتاتورية دنيوية قائمة على الحكم بالقوة في العصور الحديثة.

ولقد مرت جميع مناطق العالم قبل الثورة الصناعية الأوروبية وثوراتها البرجوازية في هذه المراحل، واستمرت بعض هذه المراحل لفترات حديثة ومعاصرة في بعض البلدان. فكلمات سلطان وإمبراطور وكسرى وقيصر وخديوي وملك وأمير، كانت هي السائدة قبل أن تظهر كلمات رئيس ورئيس وزراء.

ومع الأيام والتطور في أنظمة الحكم، زالت كلمات قيصر وإمبراطور وكسرى. وأخذت كلمتا ملك وأمير دلالات جديدة مختلفة عن دلالاتها القديمة. فما زالت السويد وبريطانيا والأردن ممالك مثلاً، ولكن لا علاقة لها بممالك الماضي. والنموذج الكوري والإيراني والسوري في الحكم واستمراره، لم يعد ينتمي إلى روح العصر أبداً.

غير أن العالم الراهن ينطوي على حالات لا تنتمي إلى روح العصر المعيش في ما يتعلق بنظام الدولة وصورتها.

وقبل أن أضرب الأمثلة على صحة ما أقول: أرجو من القارئ أن يعلم بأن نظام الدولة، هو الطريقة التي تنتج فيها السلطة والطريق التي تُمارس فيها السلطة الحكم. والحكم في جميع أنحاء العالم تقريباً، هو ثمرة عقد اجتماعي بين مواطنين أحرار، بمعزل عن طريقة إبرام هذا العقد. ويكون الحكم الناتج عن عقد المواطنين الأحرار، ممثلاً لجميع أفراد المجتمع، ومحافظاً على حقوقه ومقرراً واجباته، ومحتكراً للقوة التي تحمي القانون والحق والواجب والسيادة. وفي هذا الإطار، يتحقق مفهوما الولاء والانتماء للدولة - الوطن. وفي غياب الولاء والانتماء لا تقوم الدولة - الوطن.

تأملوا التجربة الإيرانية، التي حولت إيران إلى قوة عسكرية وسجن كبير، يعيش فيها الإنسان مستعبداً فقيراً، رغم ثراء البلد، تأملوا الحرب والدمار الذي حصل ويحصل في سوريا والعراق وليبيا واليمن، كل ذلك ما كان ليحصل، لو كان الحكم ثمرة عقد وطني يحقق مبدأ الولاء والانتماء.

بقي أن نقول: "أما آن للإخوان المسلمين وما شابههم من الداعين إلى تصور الحاكمية لله، أن يستقيلوا من التاريخ، كما استقالت كل الأحزاب الشمولية؟"، كل حزب شمولي قومي، ديني، طائفي، عسكري حزب لا يفكر، لا يفكر أبداً.

ألم يفقه بعد هذا العقل الشمولي، أن التاريخ لا يقاد بأوهام، حتى لو استلمت هذه الأوهام السلطة في يوم من الأيام، والمتأمل في أوضاع بلدان الربيع العربي يصاب بنوع من الدهشة. الدهشة من أن القوى الإسلاموية، وبخاصة المسلحة، كداعش والحوثيين وما شابههما من حركات، تعتبر نفسها البديل عن الحكم الشمولي السابق. أي لا يكون الانتقال إلا انتقالاً من صغار زعماء عسكريين إلى طغاة باسم أحزاب تدعي بأنها تمثل الإسلام والمسلمين.

مع أن جوهر الحراك الشعبي في الساحات لم يكن إلا صرخة تحرر من الطغاة بكل أشكالهم، ومطالبة بالحرية والحكم الرشيد.

ما الفارق بين من يقول بالحاكمية للحاكم أو ولاية الفقيه أو الزعيم الأوحد؟، لا فرق أبداً. كل القائلين بذاك والفاعلين من أجل ذلك والمتحكمين من وراء ذلك، ينتمون إلى الهبل التاريخي. واللعب بعقول جمهور من الشباب وزجهم في حروب من أجل ولاية الفقيه والحاكم بأمر الله والزعيم، ليس إلا جرائم قتل بالمعنى الدقيق للكلمة. لأن في ذلك تضحية مجانية بالأرواح، من أجل أهداف لا يقبلها التاريخ الواقعي ولا مصالح الناس وآمالهم.

Email