إن جودة التعليم من أسرار نهضة الأمم وتقدمها، ولا شك بأن حملاً كبيراً يقع على عاتق المعلم الذي يباشر عملية التعليم، ويترجم الخطط التعليمية بشكل عملي في أروقة الصف الدراسي، فبمقدار جودة عطائه يزداد الطلاب تألقاً وتفوقاً، وترتقي العملية التعليمية، وخاصة مع المتغيرات الحديثة التي تقتضي من المعلم مواكبتها، لينتج التعليم ثماره المرجوة، ويمتزج بعصر المعرفة والثورات التكنولوجية، ويصبح جزءاً فاعلاً في الحياة والاقتصاد.

إن فضل المعلم كبير، فهو صانع الأجيال، وباني العقول، ومربي النشء، وهو البحر الزاخر الذي ينهل منه الطلاب علمهم، فيرتقون بأنفسهم، ويزدادون علماً على علم، وخُلُقاً على خُلُق، ولا أدل على فضل المعلم ومكانته من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير»، والتعليم مهمة الأنبياء والمرسلين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الله بعثني معلماً ميسراً»، وقال معاوية بن الحكم السلمي في وصف تعليم النبي عليه الصلاة والسلام: «ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه».

إن أول ما ينبغي على المعلم أن يستشعره شرف مهنة التعليم، فيقبل عليها بحماس ومعنويات عالية، وإذا دخل الفصل الدراسي كان طاقة فياضة، يتألق في أدائه، ويبتكر في عطائه، ويقدم المعلومة في أحسن حلة، فيقربها إلى الأذهان سهلة ميسورة، مراعياً الفروقات بين الطلاب، فيحفز المجتهد ليزداد اجتهاداً، ويساعد الضعيف ليرتقي بنفسه، ويلتحق بركب المجتهدين، ويحبب الطلاب في مادته، ويجعلهم يتشوقون إليها، بأساليبه الجذابة، وطرائقه المشوقة، ويستعدون لها في المنزل، ليشاركوا في حصته، ويسمعوا منه كلمة الشكر والتقدير، بسبب أساليب التحفيز والتشجيع الذي يتبعه معهم، والكلمة الطيبة ذات تأثير كبير، وقد تفعل في نفس الطالب فوق ما يتصوره المعلم من تأثير إيجابي.

كما على المعلم أن يستشعر أن الطلاب أمانة بين يديه، سيُسأل عنهم أمام الله تعالى، «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فيبذل غاية وسعه في حسن تعليمهم، واستثمار وقتهم فيما جاؤوا من أجله، فلا يخرجوا من عنده إلا وقد ظفروا بعلم جديد وفهم سديد، فيعودون إلى بيوتهم وقد تفتقت عقولهم، وارتقت أفهامهم، وهكذا في سائر الأيام، يتعهدهم بالعناية والرعاية.

والمعلم الناجح هو قدوة لطلابه في كل شيء، فهو قدوة لهم في أخلاقه وجميل تعامله والتحلي بالقيم الفاضلة، ينتقي من الألفاظ أحسنها، ومن العبارات أجملها، فيتطبَّع الطلاب على ذلك، فيأخذون من علمه وسمته، ويكونون قدوة لغيرهم برقي أخلاقهم، ويكونون منارات مشرقة في مجتمعاتهم، قال محمد بن سيرين: «كانوا يتعلمون الهدي ـ أي الخلق الحسن ـ كما يتعلمون العلم»، وقال عبد الله بن وهب: «ما تعلمت من أدب الإمام مالك أكثر مما تعلمت من علمه».

إن العصر الحديث يملي على المعلم أن يوجه طاقاته لبناء العقول، وتنمية التفكير الإبداعي والابتكاري والنقدي لدى الطلاب، ليصبح الطالب شريكاً في العملية التعليمية وليس مجرد متلقٍ، وذلك يقتضي من المعلم تطوير مهاراته لتحقيق هذا الغرض، فالمعلم الناجح يسعى إلى تطوير نفسه باستمرار، والارتقاء بأساليبه التعليمية، ليقدم للطلاب الأحسن، فهو يقرأ ويتابع كل ما من شأنه أن يحقق له هذا الهدف، ولا يرضى بالجمود، فالعلم في تطور، والواقع الحديث يواجه متغيرات كثيرة، وبمقدار مواكبة المعلم لهذا التطور يحقق أفضل نجاح، قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد حفظه الله: «على المعلم الذي يريد أن يواكب العصر أن ينتقل من كونه معلماً يلقي الدروس ويصحح الواجبات ليكون موجهاً يحاور الطلبة ويبحث معهم ويمارسون أنشطة جماعية تساعدهم في تنمية مهاراتهم وأساليب تفكيرهم».

ومن المتغيرات التي تواجه عملية التعليم والمعلم: التطور التكنولوجي وثورة التقنيات، والاقتصاد المعرفي، وربط المناهج بالحياة في عصر المعرفة، وذلك يقتضي إدارة قدرات الطلاب، وتنمية المهارات العليا للتفكير لديهم، كما يقتضي أولاً إعداد المعلم معرفياً ومهنياً، ليتمكن من ذلك بتميز، ويواكب المتغيرات باقتدار.

لقد أولت دولة الإمارات عناية فائقة بالتعليم، حتى أضحت منارة مشرقة في هذا الباب، في تطور مستمر، ونهضة متواصلة، ومواكبة للمتغيرات الحديثة، كما أولت عنايتها البالغة بالمعلم، كونه أساس العملية التعليمية، وعمودها الفقري، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله: «إلى كل معلم ومعلمة، تحملون أمانة عظيمة، وتؤدون رسالة سامية، ومهمتكم جليلة، أنتم القدوة ومصدر الإلهام، فخورون بكم وبعطائكم».

ويقع على عاتق أبنائنا وبناتنا الطلاب مسؤولية كبيرة في العملية التعليمية، فهم عصب التعليم وقلبه النابض، والأمل بهم كبير، وهم قادرون بإذن الله على تحقيق أفضل النتائج في المدارس والجامعات، ليكونوا مشاعل نور وعلم، يضيئون مجتمعهم، ويحملون راية وطنهم في الآفاق، وإننا لنتمنى لهم من كل قلوبنا مسيرة مشرقة مكللة بالتوفيق والنجاح، وفقهم الله وسدد خطاهم ونفع بهم مجتمعهم ووطنهم، كما أن دورة الأسرة كبير بتشجيع الطلاب والوقوف معهم، والأسرة النموذجية هي التي تتعاون مع المدرسة لصناعة الأجيال، وبناء العقول، ليحقق التعليم أفضل نتائجه، وتضيء أنواره سماء الوطن.