ماذا قال ترامب في ولاية ألاباما؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولاية ألاباما تصدرت الأخبار الأميركية الأسبوع الماضي. ففيها، انهزم المرشح الذي دعمه ترامب لمقعد مجلس الشيوخ، ومنها أطلق الرئيس الأميركي تصريحاً جدلياً، نكأ جراح المسألة العرقية في ولاية لها تاريخها المعروف بالعنصرية، وبمكافحتها في آن.

فقد أجريت بولاية ألاباما الجنوبية، الانتخابات التمهيدية لأحد مقعدي مجلس الشيوخ، الذي كان قد شغر بتولي شاغله منصب وزير العدل بإدارة ترامب.

وقتها، عين حاكم الولاية من يشغل المقعد مؤقتاً، وهو الجمهوري لوثر سترينج، لحين إجراء الانتخابات. ولم يتوانَ سترينج عن تأييد أجندة ترامب بالمجلس، ثم خاض المعركة الانتخابية، ونافسه فيها مرشح جمهوري آخر، أكثر يمينية بكثير، ويدعى روى موور، له تاريخ مثير للجدل، ومعادٍ علناً للأقليات. وقد اختار ترامب، في تلك المعركة، أن يدعم سترينج، بينما قامت نخبة أقصى اليمين المؤيدة لترامب، بالوقوف خلف موور.

ورغم أن الرئيس وضع كل ثقله خلف سترينج، الذي حظي أيضاً بتأييد قيادات الحزب وتمويله، فقد فاز موور، الذي يأتي من أقصى يمين الحزب الجمهوري.

والنتيجة تنطوى على مجموعة من المؤشرات بالغة الدلالة. أولها، أن تأييد الرئيس لم يكن متغيراً مهماً يحسم المعركة لصالح أحد المرشحين. وهي مفارقة مهمة، لأن الرئيس الأميركي حفاظاً على هيبته، عادة ما لا يقدم على دعم أي مرشح، إلا إذا كانت لديه معلومات تؤكد أن تأييده سيحسم المعركة.

أما المؤشر الذي لا يقل دلالة، فهو أن من أعطوا أصواتهم لموور، هم أنفسهم مؤيدو ترامب، ولكنهم رفضوا مرشحه، رفضاً لقيادات الحزب الجمهوري بالكونغرس، لا رفضاً لترامب!، وهي مفارقة بالغة الدلالة، تشير إلى أن التغذية المستمرة للغضب عند ذلك التيار، كما فعل ترامب منذ ترشحه للرئاسة وحتى الآن، قد تُخرجه حتى عن سيطرة ترامب نفسه.

غير أن ترامب حين ذهب للولاية عشية الانتخابات لدعم مرشحه فيها، فإنه سعى لكسب دعم ذلك التيار نفسه، عبر مخاطبة غضبه، مستخدماً قضية الأقليات.

فهو أطلق تصريحاً استخدم فيه تعبيراً لا تجوز كتابته، داعياً قيادات اتحاد الكرة الأميركية، لطرد أي لاعب فيها يركع لحظة تحية العلم أو إذاعة النشيد الوطني.

والركوع المقصود، هو ذلك الذي بدأ قبل عام، وأشارت له كاتبة السطور في هذا المكان في مقال وقتها، عندما قام اللاعب الأسود الموهوب كولين كيبرنيك، بالركوع، كوسيلة للاحتجاج على مظالم السود، وذلك عشية مقتل عدد منهم على يد رجال الشرطة البيض دون عقاب.

والمفارقة في تصريح ترامب، هي أن الذين انضموا لكيبرنيك طوال العام الماضي لم يتعدوا العشرة. لكن بمجرد أن أطلق ترامب تصريحه، ركع العشرات من لاعبي الكرة، بل وأصحاب الفرق من البيض، احتجاجاً على ما قاله الرئيس!

لكن ترامب أطلق في ما بعد سلسلة من التصريحات، تسير كلها في الاتجاه نفسه، ما نكأ جراح المسألة العرقية. فرغم أن الرئيس أصر على أن تصريحه «لا علاقة له بالمسألة العرقية»، وإنما هو يتعلق فقط «باحترام بلادنا وعلم بلادنا»، إلا أن فعل الاحتجاج كان أصلاً مرتبطاً بمظالم السود.

وتلك لم تكن المفارقة الوحيدة في تصريحات ترامب. إذ يستحيل، في تقديري، أن تفوت على سود أميركا، أنه أطلق تلك التصريحات من ولاية ألاباما تحديداً. فالولاية مرت بأحداث محفورة في ذاكرة كل من لعب كفاح حركة الحقوق المدنية دوراً في تحريرهم، ولو نسبياً، من قهر العنصرية.

ففي مدينة مونتغمري، عاصمة الولاية، بدأ الكفاح ضد الفصل العنصري. ففيها، رفضت روزا باركس عام 1955، التخلي عن مقعدها في الباص لرجل أبيض، وأدينت «لانتهاكها قوانين الفصل العنصري»، فكانت تلك نقطة البداية نحو ما صار يعرف تاريخياً بـ «حملة مقاطعة باصات مونتغمري»، والتي مثلت علامة فارقة في كفاح السود.

وفى مدينة برمنغهام، كتب زعيم حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كنغ، من محبسه، رسالته الشهيرة التي صارت من أهم الوثائق التاريخية لحركة الكفاح ضد العنصرية. ومن مدينة سيلما بولاية ألاباما أيضاً، قاد مارتن لوثر كنغ، الآلاف، عام 1965، في المسيرة الشهيرة إلى مقر برلمان الولاية بمدينة مونتغمري، للمطالبة بحق التصويت.

وهو الحق الذي كانت الولايات تتفنن في حرمان السود منه. وقد أدت المسيرة، وما تلاها من زخم، لصدور القانون الفيدرالي لحقوق التصويت، والذي وقعه الرئيس جونسون في العام نفسه.

وما يجمع أحداث الأسبوع الماضي في ولاية ألاباما، هي أنها مركبة، مثل تاريخ الولاية نفسه. فالولاية التي انتخبت الأسبوع الماضي روى موور، الذي يمثل أقصى اليمين، وله مواقف تنضح بالعنصرية، ثم شهدت تصريحاً فجاً للرئيس نفسه عن لاعبي الكرة السود، هي نفسها الولاية التي شهدت طوال تاريخها ألواناً شتى من العنصرية الممجوجة، ولكنها لعبت في الوقت ذاته دوراً حاسماً في كفاح السود ضد القهر والعنصرية.

Email