شهادة شلومو حفيليو

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأدبيات المتعلقة بهجرة يهود العالم العربي إلى إسرائيل، وبخاصة بعد اقتطاعها من فلسطين التاريخية، هي من الوفرة والشيوع بحيث باتت تشكل تراكماً معرفياً معتبراً؛ يجلي حقيقة ما جرى بين يدي هذه القضية. ولا تساورنا أي شكوك في أن أي متابع منصف يقدر له مطالعة هذه الأدبيات، ولا سيما الملتزم منها بالسوية العلمية الموضوعية، سيقتنع بأنه إزاء عملية هجرة طوعية، وقفت خلفها وحضت عليها القوى الاستخبارية الصهيونية ومن يوالونها في مختلف المراحل والجهات.

تأسيساً على هذا السياق، قد يصعب العثور على من هم أكثر تبجحاً وتواقحاً، من الذين ينزعون صفة الطوعية والفعل الإرادي العمدي سابق الإعداد والتجهيز، عن القائمين بهذه الهجرة. أولئك الذين يحاولون إدراج الظاهرة عموماً تحت مفهوم «التهجير القسري». ونحسب أن الهدف من لي المفاهيم عن مواضعها ومواصفاتها واضح كشمس الظهيرة، ألا وهو إقناع المنظمات الحقوقية والقضائية الدولية والمنغمسين في معمعة الصراع على أرض فلسطين، بأن اليهود الذين غادروا مواطنهم الأم في مشرق الوطن العربي ومغربه هم «لاجئون» في إسرائيل. ولا يخفى على عاقل أن الهدف الأبعد غوراً من هكذا دعوى، يتصل بإقامة الحجة القانونية على الدول العربية، ثم السعي إلى ذهاب حقوق اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدول وغيرها لقاء «حقوق اللاجئين اليهود في إسرائيل».

الصهاينة والإسرائيليون يعرفون حجم التدليس والمكايدة التي تنطوي عليها مزاعمهم كما يعرفون آباءهم. ومع أنهم لم يفلحوا في تثبيت هذه المزاعم في مدارك الرأي العام العالمي، بشقيه الرسمي والشعبي، حتى بعد إنشائهم تنظيماً لهذا الغرض، إلا أنهم ما زالوا عاكفين على هذه الغاية بلا ملل. ونفهم من هذا التصميم أنهم يأملون ولو في بلوغ الحد الأدنى من النجاح، وقوامه إثارة البلبلة والحيرة حول قضية اللاجئين الفلسطينيين وتوابعها الحقوقية.

على سبيل الاستزادة من المصادر الناقضة لحديث الإفك الصهيوني؛ الموصول ببدعة تهجير اليهود جبراً من مواطنهم الأم في العالم العربي، نشير إلى شهادة شلومو حفيليو، ضابط الموساد الإسرائيلي المسؤول عن تنفيذ الهجرات غير الشرعية ليهود المغرب قبل ستين عاماً.

حفيليو هذا توفي في مايو الماضي عن عمر ناهز 96 عاماً، تاركاً قصته (شهادته) لحفيده؛ الذي كشف عنها النقاب مؤخراً في لقاء بثته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي. وفيها أن جده أسس فرعاً للموساد في شمالي أفريقيا كان يطلق عليه «امسجيريت»، ومهمته تحفيز اليهود على الهجرة إلى «أرض الميعاد»، وقد عمل فيه كجاسوس بهوية مستعارة. ويفخر حفيليو الجد أمام الحفيد بأنه ومجموعته السرية قاموا بواجبهم وأنجزوا الكثير على مدار عدة سنوات.

المصادر ذات الصلة بمنظمة هامسجيريت تؤكد صحة شهادة هذا الجاسوس القديم، وتتضمن تفصيلات كثيرة عن الجهود الصهيونية الحثيثة لسوق يهود المغرب العربي عموماً إلى مغادرة مواطنهم باتجاه إسرائيل بأساليب الترغيب والترهيب. تماماً كما كان الحال مع يهود المشرق في اليمن والعراق وسوريا. وبين ما يلفت الانتباه تواطؤ بعض الدول الغربية، ذات الحضور والنفوذ المتميزين في الرحاب العربية، بحيث كانت محطات استقبال للموساد وتسهيل لأعماله الاستخبارية اللئيمة. ولعل بعض المطلوب من المعنيين فلسطينياً وعربياً بهذا الملف، مساءلة عواصم مثل باريس ولندن وروما ومدريد عما لديها من وثائق ومعلومات بهذا الشأن.

لا ندري ما الذي أطلق لسان حفيليو الحفيد بجوانب من سيرة جده؛ كان من المفترض أن تدفن مع صاحبها. وثمة بالطبع مئات من السير الذاتية المشابهة للذين شاركوا في جناية اقتلاع اليهود، العرب وغير العرب، من أوطانهم الأم وألقوا بهم في أتون المشروع الصهيوني الاستيطاني. كما أن اليهود الذين وقعوا ضحية هذه الجناية، النادمين منهم وغير النادمين، لديهم ما يشهدون به ويروونه في هذا الإطار.

حصيلة هذه الشهادات والسير والروايات، تكفي وزيادة لنفي صفة اللجوء عن اليهود، الذين هاجروا إلى إسرائيل، وتحولوا فيها من مواطنين في بلادهم إلى مستوطنين مستعمرين لبلاد الغير.

Email