الاتفاق النووي قيد التداول من جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من تطرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى التحديات الاستفزازية التي تستعرض بها كوريا الشمالية قدراتها النووية والصاروخية وتهديده بتدميرها كلياً إن حاولت ترجمتها إلى واقع، إلا أن تطرقه لإيران وإلى الاتفاق النووي الذي أبرم معها عام 2015 وإلى سياساتها في المنطقة هو الذي حظي بالاهتمام الأكبر. ما جاء بخطابه حول الاتفاق النووي ليس بالجديد فقد سبق أن وصفه في أكثر من مناسبة خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بأنه «أسوأ اتفاق تم التفاوض عليه على الإطلاق». إلا أن الجديد هو نبرة الخطاب التي ترجح توصل إدارته إلى إنضاج موقف إزاء هذا الاتفاق سيعلن عنه مع حلول منتصف أكتوبر المقبل، فبعض بنوده غير مقنعة لها ولبعض حلفاء الولايات المتحدة.

الاتفاق ولد بعد مخاض تفاوضي استمر قرابة عشرة أعوام وشمل ست دول وهو لا يلغى من طرف واحد، فالولايات المتحدة تستطيع الانسحاب منه لا إلغاءه وتعود للتمسك بالعقوبات التي سبق أن فرضتها على إيران وفق الآليات التي يتخذها الكونغرس، إلا أن العقوبات الأخرى التي فرضت من قبل مجلس الأمن الدولي والدول الأخرى لن تكون سارية إلا إذا تمكنت الولايات المتحدة من إقناع هذه الأطراف بالانسحاب من الاتفاق.

الموقف الأميركي الجديد لم يتأت فقط من خلال القصور الذي تراه إدارة الرئيس ترامب في الاتفاق، بل من الدور الذي تلعبه إيران في زعزعة الاستقرار في عدد من دول المنطقة الذي وصفه الرئيس الأميركي بالتخريبي ومن إصرارها على الاستمرار بتطوير صواريخها الباليستية، وهو ما تعتبره هذه الإدارة انتهاكاً لروح الاتفاق الذي صمم أصلاً لإعادة إيران إلى الأسرة الدولية كعنصر بناء للسلم والاستقرار، وهو ما لم يتحقق.

الولايات المتحدة ستواجه صعوبات بإلغاء الاتفاق النووي، فإلغاؤه مجازفة بخلط الأوراق وخسارة الميزة التي يتيحها وهي الرقابة والاطلاع عن كثب على الأنشطة النووية الإيرانية، من جانب آخر هي غير قادرة على تجاهل شركاءها في الاتفاق غير المعنيين بإعادة النظر بفحواه، فلديهم مصالح وشراكات قوية مع إيران خارج البرنامج النووي، ولا تجاهل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تقدم تقاريرها كل ثلاثة أشهر عن مدى التزام إيران ببنود الاتفاق من عدمه، ولا تجاهل مجلس الأمن الدولي الذي أقره. كما لا يمكن تجاهل رد الفعل الإيراني الذي لن يكون أقل من الإسراع في استكمال ما أوقفه الاتفاق وما يفرضه ذلك من قلق وما يترتب عليه من تكهنات حول موعد أول تفجير نووي إيراني، وهو ما قد يدفع دولاً أخرى في المنطقة للسعي للحصول على سلاح نووي.

على المستوى الرسمي المعلن الولايات المتحدة غير راضية عن الاتفاق، فهو لا يلغي قدرات إيران على إنتاج سلاح نووي، بل يؤجل ذلك مما يتيح لها فرصة أن تصبح في وضع مشابه لوضع كوريا الشمالية في منطقة ملتهبة، إلا أن إعادة النظر بهذا الاتفاق تصطدم بتحفظ الدول الأخرى الموقعة عليه، ومن المرجح أنه يصطدم برفض إيران. فما هي الخيارات أمام إيران في حالة انسحاب الولايات المتحدة الدولة الأكثر أهمية من الاتفاق، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة إلغاء له وعودتها إلى محاصرة إيران بالمزيد من العقوبات؟

إيران تميل للتحدي والتصعيد بما يتفق مع ما ينادي به المحافظون الذين لم يخفوا معارضتهم للاتفاق النووي عند إبرامه، فقد ردت طهران على خطاب الرئيس الأميركي بإطلاق صاروخ باليستي جديد يصل مداه إلى ألفي كيلومتر ويحمل عدة رؤوس حربية، مما دفع الرئيس الأميركي للقول بأن ذلك يؤكد عدم جدوى الاتفاق النووي.

أمام الولايات المتحدة خيارات عديدة، استخدام القوة غير وارد ضمنها في هذه المرحلة على الأقل، أبرز هذه الخيارات هو فرض المزيد من العقوبات وإيصال السياسات التي تنتهجها المؤسسة الدينية الحاكمة في طهران إلى الفشل وتحجيم الدور الذي تلعبه في المنطقة عبر مليشياتها وحصر نفوذها ضمن الحدود الجغرافية للدولة من خلال تأليب عالمي.

ولكن ذلك لا يقود بالضرورة إلى منع إيران من الحصول على السلاح النووي، الحصار وفرض العزلة لم يفلحا في منع كوريا الشمالية من الاستمرار والنجاح ببرامجها النووية والصاروخية، لذلك من المستبعد جداً أن ينجح في الحالة الإيرانية، فعزل كوريا الشمالية لم يغضب أحداً ولم يؤثر على معادلات التوازنات السياسية، ولا على موازين الاقتصاد والتجارة الدولية، فهذه الدولة غير قادرة على التأثير في السياسات خارج حدودها الجغرافية، إلا أن الوضع مع إيران مختلف وليس من السهولة تجاهل ذلك، مما يتطلب مقاربات قد لا تصلح معها المعالجات العقيمة المتبعة مع كوريا الشمالية، فهل ستكون إدارة الرئيس ترامب قادرة على طرح وتنفيذ حلول ناجعة في هذا المضمار؟.

* كاتب عراقي

Email