عودة مدوّية للملف النووي الكوري الشمالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجربة نووية سادسة أقوى من كل سابقاتها، هيدروجينية هذه المرة، تجريها كوريا الشمالية بعد سلسلة التجارب لتحسين مدى صواريخها البالستية وسط قلق شديد يسود منطقة شرق آسيا الأقصى. هكذا عاد الملف النووي الكوري الشمالي بشكل مدوٍّ إلى واجهة الأحداث في العالم.

من الواضح أن بيونغ يانغ تخطو سريعاً في برامجها النووية والصاروخية على الرغم من الفقر والعزلة الدولية التي تعانيها جراء العقوبات، ومن المتوقع في غضون بضع سنوات أخرى أن يكون لديها القدرة على مهاجمة الأراضي الأميركية إلا أنه ليس هناك من دليل على وجود سلوك انتحاري قد يعمد له القادة في بيونغ يانغ الذين يدركون تماما أن أي هجوم نووي على الولايات المتحدة سيؤدي إلى انتقام واسع النطاق وإبادة نظامهم السياسي القائم.

النجاحات التي تحققها كوريا الشمالية تؤكد حاجة واشنطن وحلفائها لإجراء تغييرات جذرية في استراتيجيتها فيما يتعلق بشبه الجزيرة الكورية.

هناك سجل طويل من الإخفاقات الدولية في مقاربة الملف النووي الكوري فمجلس الأمن الدولي قد استنفد جميع العقوبات الممكنة لردع كوريا الشمالية وفشلت اللجنة السداسية المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والصين والكوريتان واليابان، على مدى السنوات المنصرمة في مهمتها كذلك، ولم يبق سوى أن تصعد الصين من ضغوطها الاقتصادية على بيونغ يانغ إلا أنه من المستبعد أن تقوم بذلك كما إنه من المستبعد أن تنجح في مهمة كهذه حتى لو قبلت القيام بها.

هذا إضافة إلى مراعاتها للحساسية السياسية التي يصعب المساس بها وهي العلاقات التاريخية الطويلة الأمد بين الحزب الشيوعي الصيني وجيش التحرير الشعبي الكوري الشمالي.

فالنظام القائم في بيونغ يانغ يرى أنه مُستهدف من قبل الولايات المتحدة وأن أمنه وسلامته مرتبطان بحيازة هذا السلاح لمنع واشنطن من مهاجمته، فهو لا يعول كثيرا على الصداقة مع روسيا والصين ويرى أن واشنطن قد أصبحت أكثر عدوانية على الصعيد الدولي في عهد الرئيس الأميركي الجديد.

الرئيس ترامب حسب تصريحاته يضع جميع الخيارات أمامه إلا أنه لا يخفي بأن الخيار العسكري ليس في مقدمتها وهي إشارة يأمل أن يلتقطها الزعيم الكوري الشمالي ليبدي بادرة حسن نية للتفاوض بدل الاستمرار بإطلاق التهديدات الاستفزازية.

من الصعب على الولايات المتحدة القفز مباشرة إلى الخيار العسكري على الرغم من أنه لا يلحق ضررا مباشرا بأمنها القومي إذ إن بيونغ يانغ غير قادرة على إيصال صواريخها إلى الأراضي الأميركية، إلا أنها لا يمكن أن تلجأ لهذا الخيار دون التشاور مع اليابان وكوريا الجنوبية المعنيتين تماما بالأزمة الكورية.

من جانب آخر قد لا تجد حلفاء يقفون معها في ذلك كما إنه من المشكوك أن يحقق هذا الخيار أهدافه، فهي تستطيع بكل تأكيد تدمير المنشآت النووية وقواعد الصواريخ ومصانع السلاح وقصف أماكن وجود القيادات السياسية لكنها قد لا تعرف مواقع جميع العمليات النووية خاصة تلك المدفونة بعمق تحت سطح الأرض، فعمليات عسكرية كهذه من المرجح أن تتحول لحرب شاملة في شبه القارة الكورية وقد تشمل اليابان ولن تكون الصين وروسيا بعيدتين عنها. فبقاء كوريا الشمالية متطلب ضروري للأمن القومي للصين التي لا ترغب بوجود دولة حليفة للولايات المتحدة على حدودها.

في أطر العلاقات الدولية المتشنجة تستفيد كل من روسيا والصين من التصعيد الكوري الشمالي فهما لا ترغبان بتحرير الولايات المتحدة وحليفتاها اليابان وكوريا الجنوبية من ضغوطات هذا التصعيد، لذلك لا توجد طريقه سهلة لمقاربة هذه الأزمة التي أصبح التعامل معها أصعب كثيرا عن ذي قبل في ضوء تردي العلاقات الروسية الأميركية، كما أن تسرع الرئيس ترامب بالإدلاء بتصريحات غير مدروسة يزيد من تعقيدات ذلك.

فوقف التعامل التجاري مع الدول التي تتعامل تجاريا مع كوريا الشمالية الذي أشار إليه في إحدى تغريداته ليس بالخطوة الحكيمة لأن الصين هي المعنية بذلك، هذه الخطوة لن تلقى ترحيبا من أحد من حلفائه كما إنها تخلق فوضى في الاقتصاد العالمي حين يوقف أكبر اقتصادين في العالم التعامل مع بعضهما، وتغلق البوابة الممكنة للحل غير العسكري.

معادلات التوازن في طريقها نحو التغيير في شبه الجزيرة الكورية، وفي عموم المنطقة إذ ليس من المستبعد أن تتجه كل من اليابان وكوريا الجنوبية نحو التسلح نوويا ضمانا لأمنهما وقد سبق للرئيس ترامب أن أشار إلى إمكانية ذلك خلال حملته الانتخابية للرئاسة.

* كاتب عراقي

Email