التعليم والإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقد مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية ندوة مهمة حول "التعليم والتطرف والإرهاب". وبلا شك فان للتعليم دورا محوريا في صياغة السلوك البشري عموما، ويلعب التعليم خصوصا دورا أساسيا في التنشئة الاجتماعية.  وإذا كان بالأمس نقول ويَنشأُ ناشىءُ الفتيانِ، مِنّا على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه، فاليوم ينشا الفتى على ما تربيه المدارس والوسائل الاجتماعية.


وفي عصر تراجع فيه دور الأب كمربي لصالح المدرسة والنادي والتلفاز ووسائل الاتصال الاجتماعي، فان فهم التعليم يجب أن يتغير لمفهوم أوسع ليشمل كل هذه العوامل في صياغة شخصية وتوجه إنسان ما بعد الحداثة.
ويعرف علماء الاجتماع التنشئة الاجتماعية على أنها عملية اكتساب القيم والعادات الاجتماعية والمهارات الخلقية والاجتماعية واللغة والتي يستوعبها الفرد في الصغر وتصيغ علاقاته بالمجتمع والأفراد. ويشكل مجموعة هذه العملية الاجتماعية بنية تحدد سلوك الأفراد والجماعات، بل في كثير من الأحيان تجبر المجموعات على تصرف وسلوك معين.


 ويلعب التعليم دورا أساسيا في هذه التنشئة. فالمدارس والتي تتلقى التلاميذ في سن مبكرا تصيغ من هذه العجائن الطرية شخصيات تحمل سمات معينة في شبابها وكهولتها بل وفي شيبها. وعلى هذا الأساس يعتقد في أهمية التعليم في تحليل ظاهرة التطرف والإرهاب.


في دراسة حول العلاقة بين الإرهاب والتعليم، قدم الباحثان ألن كروجر وجتكا ميلشكوفا دراسة استخلصا فيه أن التركيز على التعليم كوسيلة للقضاء على الإرهاب لا يدعمه الأدلة الميدانية. ففي حالة الفلسطينيين المنخرطين في أعمال العنف السياسي فان كثير من هؤلاء من الطبقات المتعلمة تساند وتشارك في العمليات العسكرية. ونفس الحال ينطبق على اللبنانيين من مقاتلي حزب الله، حيث أن كثير من مؤيدي والمنخرطون في أعمال العنف يأتون من الطبقات الأكثر تعليما.


وبالنسبة لليهود الإسرائيليين المتطرفين فان نسبة المتعلمين المنخرطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين اعلى من بقية السكان، بل أن كثير منهم حائزون على وظائف ذات دخول عالية. وتشير الدراسة إلى أبحاث أخرى في عدة مناطق من العالم والتي توضح بجلاء أن حوالي ثلثي المنتمون إلى منظمات تمتهن العنف السياسي، مثل بادر ماينهوف، الألوية الحمراء، الجيش الجمهوري الأيرلندي، الجيش الأحمر الياباني، هم من الحائزين على درجات علمية من الجامعات وخريجي الدراسات العليا. .


إذا ما علاقة التعليم بالإرهاب والتطرف؟ هناك علاقة بين التعليم والتطرف بمعنيين. المعنى الأول فان التعليم الرسمي يمكنه ان يغرس مفاهيم الاعتدال أو مفاهيم التسامح بين الأجيال الناشئة. وفي نفس الوقت يمكن للتعليم النظامي أن يغرس مفاهيم متطرفة وعنصرية وكراهية الآخر في نفوس الأطفال والذي يتحول مع السنيين إلى طاقة كامنة ممكن توجيهها إلى تدمير الأبرياء.


وتقول الباحثة الإسرائيلية نوريت بيلد-الهنان، صاحبة كتاب "فلسطين في كتب إسرائيل المدرسية: الأيدلوجيا والدعاية في التعليم"، أن المناهج المدرسية تصور الفلسطينيين بشكل مسيء. وصورة الفلسطيني في كتب المدارس على انه فلاح متخلف، بدوي رحل، إرهابي، شرير، منحرف ومجرم. وتقول إن الصورة النمطية هذه تنشئ التلاميذ الإسرائيليين على الرهاب من الفلسطينيين وعلى انهم معضلة أمنية. وعند ذهاب هؤلاء التلاميذ للخدمة العسكرية يكونون معبؤون للقيام بمذابح ضد الفلسطينيين.


هذا من ناحية التعليم الرسمي، ولكن التعليم العام، أي ما يتعلمه الإنسان من عائلته ومجتمعه وبيئته ووسائل الإعلام، فهذه مسألة أخرى تستحق كثير من الاهتمام. وبلا شك فان بث سموم الكراهية بين الشعوب والترويج للصور النمطية تسهم في نشر ثقافة التطرف والذي قد يتحول إلى عنف ضد هذه المجموعات البشرية.


ولكن السؤال الذي يؤرق أي مراقب لحالة العنف السياسي والإرهاب التي تجتاح العالم واستفحلت في منطقة الشرق الأوسط هو لماذا هذا الكم من العنف الدموي ولماذا الأن؟ فالمناهج لا تستطيع تفسير لماذا أصبح عصرنا عصر العنف والإرهاب.

فالمناهج لم تتغير كثيرا من زمن بعيد، ومن ناحية أخرى فان 99,99% من الذين درسوا بهذه المناهج لم يصبحوا متطرفين ولا إرهابيين. أضف إلى ذلك أن المناهج الأوروبية والأمريكية فرخت إرهابيين. بل أن كثير من الذين استقطبتهم داعش هم من نشئوا على مناهج غربية، ولم يعرفوا المناهج المدرسية في الدول العربية أو الإسلامية.


وإذا كان يحلو لبعض الغربيين أن يلوموا الدين الإسلامي في هذه المسالة، فلماذا الأن رغم أن الدين الإسلامي كان معنا قرونا عديدة.  ولماذا لم نرى التطرف من قبل؟ هل كان الناس في الإقليم اقل تدينا؟


الجواب قد يصدم البعض لان سبب الإرهاب ليس بسبب الدين أو المناهج، ولو أنها عوامل مساعدة، ولكن الإرهاب ظاهرة حديثة نبتت من رحم الحداثة. فكثير من هذه الدول لم تستطع مجاراة الحداثة ولا مقاومة العدوان الخارجي وكثير منها انهارت وبالتالي ظهرت قوى أخرى ما دون الدولة لمحاربة ما تراه تغول الخارج، وفشل الدولة أعطاها الحيز للعب دور.

أما الناحية الثانية لعلاقة الحداثة بالإرهاب هو ما أشار إليه المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري من سلخ إنسانية الإنسان وتسليعه وتشيؤه أي جعله شيء من الأشياء وبالتالي سهل إراقة دمه سواء كان بأسلحة الدمار الشامل، كما في حالة هيروشيما ونجازاكي، أو بأعمال إرهابية مثل أحداث 11 سبتمبر، أو بالتصفية العرقية كما حصل في زمن النازيين.

Email