المؤامرة في القدس

ت + ت - الحجم الطبيعي

مقاربة بنيامين نتنياهو وحكومته لأزمة الأقصى الأخيرة، تمثل طبعة مبتذلة لأحد تقاليد السياسة الصهيونية الإسرائيلية.

ما بين افتعال الموقف وتصعيده وتسخينه إلى طور الأزمة، وبين الوصول إلى تسوية أو حل معين بشأنه، تكون إسرائيل قد حصلت على مكتسب جديد، يضاف إلى رصيدها المتراكم في سياسة فرض الأمر الواقع.

لنتذكر بالخصوص، كيف انتهت تجاوزات إسرائيل في سياق حرب 1948/‏1949، إلى الاستحواذ على خمس مساحة فلسطين التاريخية وغربي القدس، زيادة عما قرره لها قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وكيف أن الأطراف المتضررة ما عادت تطالب الآن بتصحيح هذه المخالفة الصارخة.

في عام 1994، استغلت تل أبيب، الجريمة الغاشمة التي اقترفها الصهيوني المقبور باروخ جولدشتاين بحق المصلين في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، وفرضت التقسيم المكاني والزماني للحرم مع المسلمين.

تكريس الحقائق على الأرض، وإعطاء أذن صماء لمداخلات الآخرين الحقوقية والسياسية، على طريقة التقدم عشر خطوات ثم النكوص عن ثلاث منها اتقاء للضغوط، من ثوابت الاستراتيجية الإسرائيلية التي يطول شرحها.

لا تساورنا شكوك في أن نتنياهو وزمرته الحاكمة، يعلمون تماماً بأن أحداً من الفلسطينيين، دون الحديث عن العرب والمسلمين، لن يسمح بمرور إجراء الصلاة في الحرم القدسي عبر بوابات التفتيش الإسرائيلية المهينة مادياً وروحياً. هذا علاوة على العلم المؤكد بأن إجراء كهذا سيعني لدى الكافة تكريس مظهر من مظاهر السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى ورحابه، وسيتم تكييفه، فلسطينياً على الأقل، كمقدمة وتمهيد لاقتسام الأقصى.

الأمر الذي استعصى على إسرائيل فرضه منذ احتلال المدينة بالكامل قبل خمسين عاماً.

نتنياهو وصحبه صعدوا أعلى الشجرة، ووضعوا البوابات، وهم يدركون حساسية وخطورة ما هم مقدمون عليه، لكنهم أضمروا في مكنوناتهم أنهم لن يهبطوا أو يتخلوا عن خطوتهم الواسعة، دون أن يعودوا بمكتسب يضيف إلى سجل تهويد المدينة واستباحة أقصاها الشريف.

هذا هو القصد الحقيقي من وراء نصب الكاميرات الموصوفة بالذكاء على مداخل الأقصى وأبوابه، وبرغم إزالتها لاحقاً، إلا أن كل القصة تعبر عن مكنون التفكير الإسرائيلي.

يعلل الإسرائيليون إجراءاتهم التي فشلت وتم رفعها، سواء تمثلت بحواجز التفتيش وبواباته أم بالكاميرات الذكية، بأنهم انما يقصدون تأمين المكان.

السؤال هنا هو ممن ؟ ؛ من هم المقصودون بالأمن والتأمين؟!.. في معرض الإجابة، وبدون أي تخمين، لا يخطر بالذهن غير قطعان الصهاينة واليهود الإسرائيليين الذين يقتحمون الحرم القدسي، تحت حماية من الجيش والشرطة الإسرائيلية، بشكل استفزازي، يبلغ حد التعدي بالقول والفعل على المصلين والعاكفين فيه من المسلمين.

وعليه، فإن ما يحقق أمن أولى قبلتي المسلمين في سياق الوضع الراهن، هو حظر مثل هذه الاقتحامات وتحريمها وتجريمها، طبقاً لما توافقت عليه إرادة القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة.

أما تأمين هذه الرحاب بالمطلق، فلن يكون إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي كلياً عن فلسطين الدولة وعاصمتها.

ليست الدفوع الإسرائيلية بكفالة الأمن في هذه البقعة من خلال البوابات والكاميرات وغير ذلك، سوى فقرة من مسلسل بسط تعبيرات السيادة الصهيونية عليها. إنها خطوة تضاف إلى سابقاتها من تحديد أعداد المصلين بالأقصى، وفقاً للأعمار أو لجهة القدوم أو لمواقيت بعينها.

لا ينبغي لعاقل أن يصدق الإسرائيليين حين يتحدثون عن أمن الأقصى وتأمين المصلين فيه، لأن هذا الحديث هو عكس مراداتهم على طول الخط.

الحق أنهم يتحرقون شوقاً إلى الساعة التي يرون فيها الأقصى وقد اختفى من الوجود، وأقيم على أنقاضه هيكلهم المزعوم.

سيكون من الخطأ، وربما من الخطيئة، أن يجري القبول بأي إجراء رقابي إسرائيلي على الأقصى، حالياً أو لاحقاً، لا سيما عبر آلية الكاميرات، بذريعة أنه يعبر عن هزيمة لإجراء البوابات.

ذلك يعنى ببساطة، مرور التكتيك الإسرائيلي، الرامي إلى إنجاز مكتسب وأمر واقع في المكان لصالح الإسرائيليين، وعدم الخروج بخفي حنين من الأزمة التي افتعلوها.

تقول المصادر العليمة بأن تشغيل عيون الكاميرات إياها، ينطوي، أيضاً، على مخاطر أمنية وكوارث صحية بحق المترددين على الأقصى ومن تطالهم هذه العيون، فلزم التنويه!

 

 

Email