مواجهة الموقف الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحظى إسرائيل حتى إشعار آخر «باستثنائية» و«تفرد» لم تحظ به دولة أخرى في العصر الحديث تمكنها من تجاهل تطبيق القرارات الدولية والاستخفاف بقواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي يعزز من هذه الاستثنائية تواطؤ المجتمع الدولي وازدواجية معاييره، خاصة من قبل القوى الغربية الكبرى، كما يدعم هذه الاستثنائية الخلل في ميزان القوى لصالح إسرائيل.

ومع ذلك فإن هذه القرارات الدولية يمكنها أن تستثمر على نحو آخر من قبل الفلسطينيين والدول العربية، ويتمثل ذلك في خوض معركة أخلاقية ضد إسرائيل وكشف طبيعتها العنصرية ضد العرب والشعب الفلسطيني وفضح لا أخلاقيتها، بل وتنكرها الدائم للقيم الإنسانية المشتركة ومبادئ حق تقرير المصير للشعوب، وهذه معركة رغم أنها تبدو حجة الضعيف.

إلا أنها وبالرغم من طابعها السلمي قد تبدو أكثر ضراوة وتأثيراً من القوة السافرة ذاتها، لأنها معركة تخاطب الضمير العالمي والإنساني والرأي العام العالمي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، وحتى الآن فشلنا جزئياً في هذه المعركة لأننا ربما لم نخضها أصلاً، ذلك أنها بحاجة لإعداد وتخطيط وكوادر واستراتيجية قومية لخوضها، وفضلاً عن ذلك فهي بحاجة لموارد ومخصصات مالية.

لقد خسر النظام العنصري في جنوب أفريقيا هذه المعركة وسقط عبر الحصار والمقاطعة وافتضاح أمره بحيث أصبح من العار أن تؤيده الدول حتى تلك التي ساندته من قبل، قد تختلف الحالة الإسرائيلية في الدرجة وليس في النوع مع الحالة الجنوب أفريقية، ومع هذا فإن هذا الاختلاف لن تتضح أبعاده إلا من خلال الممارسة، ولا يمكننا الركون إلى هذا الاختلاف للتقاعس عن أداء هذه المهمة.

من ناحية أخرى فإنه في مواجهة مخطط تهويد القدس وتفريغها يعتبر صمود المقدسيين أكبر عائق في وجه هذا المخطط تمسكهم بإقامتهم ومنازلهم ووجودهم هو حجر الزاوية في أية مواجهة مستقبلية حول القدس.

بيد أن هذا الصمود بحاجة لظهير عربي رسمي وشعبي لتعزيزه ودعمه واستمراره. والمقصود هو الدعم المادي والسياسي والمعنوي لتمكين المقدسيين من البقاء ومواجهة المخطط الصهيوني وتنظيم شبكات للتضامن مع المقدسيين والشعب الفلسطيني مع منظمات مناهضة العولمة ومنظمات حقوق الإنسان واستخدام التقنيات الحديثة في التواصل مع المجتمع المدني العالمي وبلورة خطاب عربي فلسطيني حديث وعصري يتركز حول المساواة ومناهضة التمييز والعنصرية وهو ما تفتقده القضية الفلسطينية.

حيث إن الخطاب الإسرائيلي هو السائد والمسيطر على قطاعات كبيرة من الرأي العام من خلال الوجود اليهودي والصهيوني في صميم نسيج المجتمعات الغربية الثقافي والعلمي والاستراتيجي.

لن تتمكن إسرائيل ورغم الأمر الواقع المفروض من التنكر لحق الشعب الفلسطيني في القدس الشرقية كعاصمة لدولته ولا تزال الدول العربية مجتمعة وحتى الآن تصر على المبادرة العربية ببنودها حول الدولة الفلسطينية والقدس واللاجئين، ورغم الانهيار في المشهد العربي الراهن ورغم الضغوط التي مورست على العديد من الأطراف العربية لتعديل هذه المبادرة إلا أنها باقية كما هي وأية تسوية لا بد أن تأخذ في اعتبارها تلك المبادرة كحد أدنى لا يمكن التنازل عنه.

ومن المفارقات التي يمكن رصدها في هذه الآونة التي تردد فيها عزم الإدارة الأميركية الجديدة نقل سفارتها إلى القدس وهو ما تم تأجيله لمدة شهور أخرى، إن الأرض التي خصصت للسفارة الأميركية في القدس هي أصلاً ملكية فلسطينية لمواطنين فلسطينيين والأوقاف الفلسطينية.

بالمقابل، لم يعترف المجتمع الدولي بضم إسرائيل للقدس الشرقية، ولم يعترف بسيادتها على القدس الغربية باستثناء دولتين هما كوستاريكا والسلفادور، والولايات المتحدة لم تعترف حتى الآن بسيادة إسرائيل القدس الغربية، وربما يوضح ذلك المأزق الذي تواجهه السياسة الإسرائيلية في القدس.

فرغم المضي قدماً في تدعيم وتعزيز أسطورة العاصمة الموحدة وأن المدينة المقدسة لن تقسم مرة أخرى فإن المجتمع الدولي لا يزال يحتفظ بموقفه المتمثل في عدم الاعتراف بالإجراءات والقرارات والقوانين الإسرائيلية المتعلقة بالقدس.

وتبدو أهمية هذه المشكلة على نحو خاص، إذا ما سلمنا وتذكرنا أن «المشكلة اليهودية» كانت نتاجاً أوروبياً وليس عربياً، أي ظهرت في السياق الحضاري الأوروبي.

وترتيباً على ذلك فإن معالجة الموقف اليهودي والصهيوني من السيادة على القدس، بمعزل عن التاريخ السياسي والحضاري لعلاقة الغرب بالعالم العربي والمشرق العربي على وجه خاص، تفرضه ضرورات ذات طابع عملي براغماتي وليست ذات طابع منهجي نظري.

 

 

Email