وقد عرفته محباً لوطنه

ت + ت - الحجم الطبيعي

بهذه العبارة وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أثناء استقباله لسموه في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن الأسبوع الماضي، قائلاً: «إنه لشرف عظيم أن يكون معنا اليوم الشيخ محمد بن زايد.. شخص مميز.. أنا أحترمه.. وقد عرفته محباً لوطنه...».

حين يقول رئيس أكبر دولة في العالم، وأقواها وأكثرها نفوذاً، عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ذلك، فهو إنما يؤكد حقيقة يعرفها أبناء دولة الإمارات جيداً، ويلمسونها كل يوم، من خلال ما يقوم به هذا القائد المحب لوطنه، وما يبذله في سبيل نهضة هذا الوطن ورفعته، وترسيخ مكانته بين الدول، بلداً فاعلاً ومؤثراً في صنع القرار، كما يعرف هذه الحقيقة قادة العالم أجمع.

وليس أدل على ذلك من الزيارة التي قام بها سموه للولايات المتحدة الأميركية قبل أيام من القمم المهمة الثلاث التي استضافتها المملكة العربية السعودية اليومين الماضيين، وجمعت في إحداهما رؤساء الدول العربية والإسلامية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي بدأ أولى جولاته الخارجية بالرياض، في إشارة واضحة إلى أهمية هذا البلد وهذه المنطقة، لتأكيد الالتزام المشترك نحو الأمن العالمي، والشراكات الاقتصادية العميقة، والتعاون السياسي والثقافي البناء، ومن أجل حماية دولها من المخاطر الإقليمية والدولية، في ظل ما تشهده من تدخلات علنية موجهة لزعزعة الاستقرار والأمن في دول المنطقة.

طبيعة الموضوعات التي بحثها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دلت على أن زيارة سموه للولايات المتحدة الأميركية قبل انعقاد القمم الثلاث كان الغرض منها التشاور وتوحيد المواقف، فقد بحث سموه مع الرئيس الأميركي عدداً من القضايا الإقليمية والدولية، تركزت حول التدخلات الإقليمية المزعزعة للأمن في منطقة الشرق الأوسط، وناقشا جهود المجتمع الدولي في محاربة العنف والتطرف، والجماعات الإرهابية، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وقد اتضح مدى التنسيق والاتفاق في الرؤية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، من خلال تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي أشاد بمبادرة الرئيس الأميركي لتعزيز علاقات الولايات المتحدة مع شركائها الرئيسيين في المنطقة، وتبنيها نهجاً أكثر حزماً وصرامة لمواجهة الفكر المتطرف والعدواني، الأمر الذي يتفق مع ما تبذله دولة الإمارات لمواجهة هذا الفكر، وتجفيف مصادر تمويل الإرهابيين، وتعزيز قيم التسامح الديني والعرقي، والتعايش الإنساني.

عندما نعود إلى التاريخ نجد كثيرين قدموا أنفسهم للعالم من بوابة حب الأوطان، لكن قلة هم الذين كانوا صادقين في ذلك، مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وقادة الإمارات الكرام، في حين دمر كثيرون الأوطان التي ادعوا حبها، وأدخلوها دهاليز مظلمة، عادت عليها بالخراب والخسران.

وفي التاريخ القديم والحديث نماذج كثيرة لأمثال هؤلاء الذين أصبحوا رموزاً للخراب الذي حل ببلدانهم والعالم، نتيجة أطماعهم التي سموها أحلاماً، وادعوا أنها تنبع من حبهم لأوطانهم.

والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى، لأن حب الوطن ذريعة قد يستغلها البعض لبناء مجده الشخصي، لكنه مقابل ذلك قد يدمر وطنه، ولنا في تاريخ ألمانيا النازية على سبيل المثال عبرة، فقد دمر «هتلر» بلده بحجة الاستيلاء على ما أسماه بالمجال الحيوي، الذي قصد به السيطرة على مناطق معينة لتأمين الوجود لألمانيا، وضمان رخائها الاقتصادي.

فكانت النتيجة هي اجتياح جيوش الحلفاء لألمانيا من جميع جوانبها، حتى سقوط برلين وانتحار هتلر، مثلما انتهى أيضاً حليفه الفاشي الإيطالي «بينيتو موسوليني» معلقاً من رجليه في محطة بنزين بمدينة ميلانو. وهكذا يفعل اليوم أصحاب الأحلام الإمبراطورية التوسعية في منطقتنا، الذين لن تكون نهايتهم أفضل من نهايات الذين ذكرناهم.

هؤلاء الذين تسببوا في دمار أوطانهم في الغرب، كان لهم أشباه في عالمنا العربي أيضاً، تسببوا في خراب أوطانهم وتدميرها، نتيجة الأحلام التي ملأت عقولهم، بزعم أنهم يحبون هذه الأوطان، ويريدون أن يجعلوا منها مراكز يقودون من خلالها العالم العربي، وينطلقون منها لتزعم شعوب أخرى خارج نطاق بلدانهم، فأهدروا ثروات هذه البلدان في مغامرات غير محسوبة، وكانت نهاياتهم مأساوية ومفزعة.

أما بلدانهم فقد تحول بعضها إلى مغانم لأعدائهم، يفرضون سيطرتهم عليها، ويتحكمون في قراراتها، ومفاصل السلطة فيها، ويتمتعون بثرواتها، بينما أصبح بعضها الآخر ساحات مفتوحة للفوضى، وللجماعات المسلحة التي تتخذ منها مراكز لإيواء المطاردين من أتباعها، وتنظيم صفوفها للانطلاق منها إلى تنفيذ عملياتها الإرهابية في الداخل والخارج، بعد أن زالت سلطة الأنظمة عن تلك البلدان، وغدت دولاً فاشلة بامتياز وممزقة.

ثمة فرق بين قائد محب لوطنه، يسعى لرفعته وتعزيز مكانته بين الدول والشعوب، وقائد يدعي حب الوطن، ويعمل على قيادته إلى الدمار والهلاك، وذبح أهله وتشريدهم، وإخضاعه لسيطرة الغرباء والأعداء الذين يتربصون به، ويتحينون الفرص للانقضاض عليه، ونهب ثرواته.

هذا الفرق هو ما نشاهده بين قادتنا الذين يحبون أوطانهم حباً حقيقياً، ويعملون على حمايتها وتوفير الأمن والاستقرار لأهلها والمقيمين على أرضها، وترسيخ مكانتها بين الدول، وبين أولئك الذين يدّعون حب أوطانهم، ولا نرى لهذا الحب نتيجة سوى الدمار الذي يحل ببلدانهم، والمآسي التي تعيشها شعوبهم بسبب سياساتهم، والحروب التي يشعلونها ويغذونها في كل مكان لتحقيق أحلامهم المجنونة وأطماعهم.

 

 

Email