التحرر من الخطابات القديمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن يكون الخطاب سلطة فهذا مما لم يعد الشك فيه أبداً إنما أن يكون الخطاب موضوع نقد فهذا ما لم يصبح بعد أمراً واقعاً في عالم العرب.

وسؤالي هو سؤال وجودي: أنىّ للأنسان أن يعيش الجديد ويكون هدية للبشرية إذا لم يتحرر على نحو دائم من الخطابات القديمة؟

فلما كان من شأن كل خطاب أن يشكل وعياً فهذا يعني بأن حركة الوعي هي سيرورة دائمة من تجاوز الخطابات، من الخطاب السياسي إلى الخطاب الأيديولوجي إلى الخطاب الديني إلى الخطاب الفلسفي إلى الخطاب الجمالي حتى الخطاب العلمي قابل للنقد والتجاوز مع كل تقدم علمي.

إن التحرر من الخطاب القديم يفرضه تطور الواقع المعيش نفسة وليس مجرد رغبة عنّت على بال هذا أو ذاك.

وليس هذا فحسب بل إن كل جديد مبتغى يقع في تناقض مع قديم بالٍ يبدأ من نقد الخطاب القديم المتعلق بموضوع الجديد من جهة وصياغة خطاب جديد من جهة ثانية.

فمكانة المرأة الجديدة في العمل ودخولها عالم المهنة في المؤسسات والشركات يحتاج إلى خطاب جديد حول المرأة ونقد الخطاب القديم الذي يحول دون دخول المرأة إلى العمل، فالخطر والأكثر ضرورة هو الخطاب الجديد حول القضايا الكبرى المتعلقة بالمستقبل والمصير.

فالخطابات الأيديولوجية القديمة حول القومية والأمة والتاريخ والإسلام السياسي والتي لم تعد تجيب عن أسئلة الحاضر تحتاج إلى عملية نقد جذرية.

ليس لها فقط بل لكل أيديولوجيا تدعي بأنها تملك الحقيقة المطلقة ومفتاح باب التاريخ.

دولة التسامح تتطلب خطاباً حول التسامح يسند عملية التسامح الواقعية ويخلق الوعي بضرورة التسامح للعيش المشترك خارج أي شكل من أشكال التعصب.

والجيل الجديد يمتلك حساً ناقداً للقديم ويعيش في كل لحظة عالم الجديد العلمي والفني والجمالي، هذا الحس النقدي يجب أن يتزود بالوعي النقدي، بالمعرفة النقدية، حتى يتحول العقل النقدي إلى عقل إيجابي يسهم في إشادة الجديد، فالحس النقدي المتأفف من المعيش دون وعي نقدي، دون خطاب نقدي قد يفضي إلى عدمية سلبية ولامبالاة قاتلة.

هنا بالذات تبرز أهمية النخبة المتصالحة مع منطق السيرورة المتجددة للواقع والتاريخ في مواجهة نخبة قديمة تحاول إعاقة ولادة الجديد ولادة طبيعية.

إن النخبة الجديدة التي تزودت بآخر إنجازات المعرفة البشرية وفِي كل مجالات الحياة يجب أن تنخرط في الحياة بوصفها من صنّاع الحياة، دون انعزالية أو ترفع، وهذا لا يكون إلا بتقديمها الخطاب الذي يليق بحركة الوجود التي لا تتوقف، بل ويجب توفير المناخ الملائم للنخبة لتمارس دورها البنّاء في تقدم المجتمع وازدهاره.

والحق إن دور النخبة في إنتاج الخطاب يتوقف على وعيها بذاتها ومكانة ذاتها في الواقع الاجتماعي واكتشاف الأسئلة المختزنة في قلب حركة الواقع، الأسئلة التي لا يستطيع العقل العادي أن يكشفها ويكتشفها.

وفي ضوء اكتشاف السؤال يكون الخطاب بوصفه جواباً عن أسئلة الواقع بما لها من علاقة بالمستقبل.

إن عقلاً يدور في فلك الأسئلة القديمة التي أجيب عنها في الماضي ليس عقلاً أبداً، لأن من شيمة العقل التفكير أولاً، والعقل سجين الأسئلة القديمة وأجوبتها عقل لا يفكر.

 

Email