القياصرة قادمون

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أول يوم في الدراسة في مدرسة أميركية، انضم إلى الفصل طالب جديد اسمه سوزوكي (ابن رجل أعمال ياباني).

المعلمة: دعونا نبدأ اليوم بمراجعة شيء من التاريخ الأميركي. من قال «أعطني الحرية أو أعطني الموت؟». لم يتفاعل من الطلاب أحد. ما عدا سوزوكي، الذي رفع يده وقال «باتريك هنري 1775». قالت المعلمة: عظيم.

من قال «حكومة الشعب بالشعب وللشعب»؟

مرة أخرى لم يكن هناك استجابة سوى من سوزوكي، الذي قال: «إبراهام لنكولن 1863». وبخت المُعَلِمَة الفصل قائلة: أيها الطلاب، يجب أن تخجلوا!، سوزوكي وهو جديد في هذه البلاد، يعرف عن تاريخها أكثر منكم.

هنا سمعت شخصاً يهمس: «اللعنة على اليابانيين»، فصاحت بحزم: «من قال هذا؟» رفع سوزوكي يده وقال: «لي إيوكوكا 1982»، وهنا ازداد هياج الطلاب وأصابتهم هستريا.

فقال أحدهم: «أيها القذر الحقير. إذا قلت أي شيء آخر سوف أقتلك..»، صرخ سوزوكي بأعلى صوت: «غاري كوندت مخاطباً شاندرا ليفي 2001».

عند تلك الإجابة أغمي على المعلمة، وفي حين كان الطلاب يتجمعون حولها، قال أحدهم له: «سوف أطاردك شارع شارع وبيت بيت. فقال سوزوكي: «العقيد معمر القذافي في 2011».

حوار ذو مغزى تتناقله وسائط التواصل الاجتماعي، والمغزى أن الولايات المتحدة الأميركية، ما كانت لتقود العالم وتصبح أقوى دولة، لولا صهرها لسكانها القادمين إليها من أربع جهات الأرض، في إطار نظم وقوانين تحترم الإنسان، وتفتح المجال أمام المبدعين والمفكرين، ليحولوا أفكارهم إلى نتائج ملموسة في العلوم والصناعة والزراعة، وشتى مجالات الحياة.

وفوق هذا وتحته، تهيئة أسباب الحياة الكريمة لكل مواطنيها من تأمين صحي وتعليم وسكن وعمل، ونتذكر كيف استقطبت الولايات المتحدة خيرة علماء ألمانيا بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، وهم من طوروا البرامج النووية الأميركية.

وذلك على عكس الاتحاد السوفييتي، الذي تفكك وتقطع إرباً على وقع الضربات التراكمية التي وجهها الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة لخصمه اللدود.

وبات العالم في حيرة من أمره، بعد أن دخل مرحلة استثنائية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، وهي انفراد قوة عالمية واحدة في إدارة العالم والتحكم بشؤونه، وكانت أكثر وحدات الاتحاد المفكك تأثراً بما حدث، هي روسيا، الدولة الأكبر ضمن تشكيلة الاتحاد السوفييتي الهشة ووريثته،.

حيث سادتها الفوضى والضعف الاقتصادي والانهيار الإداري والسياسي، وأصبحت وكأنها دولة تابعة لواشنطن، تأتمر بأمرها وتنفذ مطالبها دون جدال، وظهر ذلك واضحاً في أزمة غزو العراق للكويت، حيث بصمت روسيا على كل ما قدمته واشنطن من قرارات لمجلس الأمن الدولي لمعاقبة العراق، الذي كان حليفاً للاتحاد السوفييتي سنوات طويلة.

الغرب ذهب في تلك الفترة إلى حالة استرخاء واطمئنان، بعد أن شعر بنصر تاريخي على الشيوعية ومن يمثلها في الفكرة والدور والتنافس على بلدان العالم الثالث والأقل منه، كما راح يبحث عن أعداء جدد يبرر وجودهم تدخله في شؤون العالم المقهور، سعياً وراء تشكيل عالم من صنع غربي، باعتباره العالم النهائي، أو ما سمي «نهاية العالم».

في تلك الفترة من انشغال الغرب بنشوة النصر وحلاوة الاسترخاء، ظهر رجل من بقايا «الكى جي بي»، وهي المخابرات السوفييتية السابقة، يعرف بحكم وظيفته السابقة، كيف يدار العالم في السر والعلن، وكيف يمكن إدارة دولة وإعادتها إلى توازنها، في جو من الفوضى والاضطراب والانحطاط ؟!

إنه فلاديمير بوتين، الذي تشبه مشيته مشية طائر البجع، كما قالت له أمه ذات يوم، حيث تولى عدة مناصب رسمية هامة في روسيا الاتحادية، قبل أن يكلفه الرئيس بوريس يلتسين برئاسة الحكومة عام تسعة وتسعين من القرن الماضي، ثم رئيساً للجمهورية بالوكالة، إثر استقالة يلتسين، إلى أن انتخب رئيساً أصيلاً بعد ذلك بعام، الأمر الذي أتاح له الإمساك بالسلطة بكلتا يديه، بعد أن شكل حزباً في بلد لم يعرف التعددية الحزبية منذ عهد القياصرة.

دونالد ترامب، يدير ظهره الآن لحلفاء الأمس. يرفض مصافحة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ويطالب ألمانيا بـ «ثمن» الحماية الأميركية بأثر رجعي، يصف حلف الناتو بأنه «موضة» قديمة.

هل هي عادة التاريخ في الاستدارة مئة وثمانين درجة كل مئة عام، وهل التاريخ في وارد إعادة روسيا إلى الأمام وأميركا إلى الخلف.

ليست مصادفة أن 1917، شهد الثورة البلشفية، و2017 الحالي، يشهد صعود نجم موسكو بموافقة ترامب.. والبداية من الشرق الأوسط.

 

Email