منظمات حقوقية.. تزييف وتحريض

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُفترض فيمن يتحدث عن الحقوق والحريات أن يكون متحليا بالموضوعية والإنصاف في التقييم، والمصداقية وعدم تحريف الحقائق والازدواجية في المعايير، والناظر اليوم في واقع بعض ما تسمى بمنظمات حقوق الإنسان يجد أنها غير ملتزمة بالمعايير العلمية والأخلاقية في التعاطي مع الوقائع والأحداث، حتى جعلت من نفسها معاول هدم لا أدوات بناء.

صور الخلل لدى هذه المنظمات كثيرة، منها الخلل في فهم ماهية حقوق الإنسان، والخلط بين الحقوق المصانة والأفعال المجرَّمة قانونا، ومن لا يفرق بين الحقوق والجرائم لا يستقيم أن يكون حكما على الناس، وكذلك حريات الإنسان هي مؤطرة بالقانون، لئلا يعتدي أحد على أحد أو يضر بالمصالح الخاصة أو العامة، ومن لا يفرق بين ممارسة الحرية والخروج على القانون فتلك مصيبة بل كارثة.

وإننا نتساءل: هل من حقوق الإنسان نشر الشائعات وإثارة الفتن والإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتحريض ضد القانون والإضرار بسمعة الدولة ومكانتها وعلاقاتها السياسية وتعريض مصالحها للخطر؟! وهل من حقوق من الإنسان نشر التطرف والإرهاب والطائفية والكراهية والعنصرية وانتهاك حقوق الآخرين؟!.

والجواب بالنفي لدى كافة العقلاء المنصفين بخلاف هذه المنظمات، ومثل هذا الخلل الجوهري يقود هذه المنظمات إلى قلب الحقائق، حتى تجعل من المفسدين والطائفيين والإرهابيين وأصحاب الفتن مناضلين ونشطاء وحقوقيين، مع أن واقعهم عكس ذلك تماما، ويؤدي بها كذلك إلى نشر ثقافات ومفاهيم مغلوطة عن الحقوق والحريات لا تتماشى مع القيم الإنسانية السليمة، ولا تخدم المجتمعات البشرية في شيء، بل تضرها.

ومن وجوه الخلل أيضا عدم المهنية والموضوعية في تقارير هذه المنظمات، ونشر مغالطات ومزاعم لا أساس لها، ومن يتابع ما تنشره هذه المنظمات من تقارير يجد أنها ليست سوى معلومات مكتوبة لها من أطراف أخرى، وهي بدورها تنشرها كما كُتبت دون غربلة أو تمحيص، ودون أن تكلف نفسها عناء التأكد من هذه المعلومات، مما يجعلها وسيلة تجارية لخدمة بعض الأطراف.

ومن صور الخلل كذلك الازدواجية في المعايير والكيل بمكاييل مختلفة والانتقائية، ففي الوقت الذي تتهجم فيه هذه المنظمات على دول وتنتقد إجراءاتها القانونية وترفض محاكمة الخارجين على القانون إذا بها تتعامى عن ملفات كثيرة تدين أحزابا دينية سياسية وتنظيمات طائفية وإرهابية، لم نجد لهذه المنظمات صوتا يُذكر ضدها، وهذه الازدواجية يكشف عن أجندات مشبوهة لهذه المنظمات لا تصب في مصلحة المجتمعات.

ومن اختلال هذه المنظمات كذلك تسييس حقوق الإنسان، وتسخيرها لخدمة أجندات سياسية، والاستعلاء على الدول والشعوب، وهي بذلك أشبه ما تكون بآلة سياسية ديكتاتورية تمارس الوصايا، وتصادر حق الدول في صيانة أمنها القومي، وتعتدي على سلطاتها القضائية، وتحاول عرقلة جهودها في إحلال السلم الاجتماعي ووأد الفتن التي تخل بأمنها واستقرارها وسلامة أفرادها، وبدلا من أن تؤيد هذه المنظمات الجهود الرامية لحفظ الأوطان ووحدتها الوطنية وسلمها الاجتماعي إذا بها تهدم ذلك كله.

ومن اختلال هذه المنظمات عدم احترام القانون والعدالة، فمن حقوق الإنسان مساواة الجميع في العدالة، وعدم التمييز بينهم، ودولة الإمارات في هذا المجال حاسمة حازمة تحقق العدالة دون تفريق بين شخص وآخر، عبر إجراءات قانونية واضحة، دون محسوبية ولا مجاملة، بخلاف هذه المنظمات، التي تعطي أشخاصا حصانة ضد القانون بدعوى أنهم نشطاء حقوقيون، فيكفي أن تصف هذه المنظمات شخصا ما بناشط حقوقي حتى تجعله بمنأى عن المحاسبة ولو بدر منه فعل مجرَّم قانونا، وفي حال تمت محاكمته أقامت هذه المنظمات الدنيا ولم تقعدها، ومارست البلطجة والصخب وضرب الطبول لإسكات صوت العدالة والقانون.

ومن الخلل كذلك وجود أهداف مشبوهة لهذه المنظمات تطرح تساؤلات حول طبيعة عملها وحقيقة أهدافها، وتستدعي النظر بجدية فيما يدار وراء كواليسها، حيث نجد منظمة العفو مثلا تصرح في موقعها الرسمي بأن من أهدافها الضغط على الحكومات، وحشد الناس من أجل التغيير، ودعمهم من خلال التثقيف والتدريب، وهذه مصطلحات فضفاضة يدخل فيها التحريض ضد الأنظمة وإسقاطها، وهذا الكلام النظري ترجمته هذه المنظمة عمليا فيما سمي بأحداث بالربيع العربي، فقد كانت منظمة العفو إحدى المنظمات الممهدة والداعمة للثورات، بل ذهبت مدى بعيدا بتضخيمها للثورات، فقد اعتبرتها في تقريرها لعام 2012 ذات أهمية موازية لسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي!! محرضة الشعوب على توسيع رقعتها، ولعاقل أن يسأل: ماذا جنت الشعوب العربية من الثورات؟! وماذا كانت النتيجة؟! هل ساهمت هذه الثورات في خير الشعوب والأوطان؟! هل حافظت على الحقوق والحريات؟! هل حققت التنمية والازدهار؟! أم كانت كالنيران الملتهبة تحرق البلدان وتشوي الأبدان؟! فكم تسببت هذه الثورات في إزهاق الأرواح وذهاب الأمن وشيوع الفقر والمجاعات والتشريد وبروز التنظيمات الإرهابية ودوران آلة القتل؟! فهل ضمير هذه المنظمة التي دعمت الثورات مستريح لهذه النتائج التي يتألم لها كل قلب حي؟!

وأخيرا فإن هذه المنظمات غير المهنية أحوج ما تكون إلى أن تقوّم سلوكها قبل أن تسعى لتقويم سلوك الآخرين، وأن تفتح عينيها على الواقع المشرق لدولة الإمارات، الذي تشع أنواره في ربوع المنطقة والعالم، أنوار التنمية والازدهار والحقوق والحريات والسلام والاستقرار، وهذه الحقيقة كالشمس لا تستطيع هذه المنظمات تغطيتها، فأنوار الحقيقة المشرقة أقوى من ظلام التقارير الزائفة.

Email