من أجل مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الضروري الالتزام بما يجري الوعد به، خاصة مثل قانون الاستثمار في مصر أو قانون الانتخابات المحلية أو ما يماثلها من خطوات مهمة في مسار الإصلاح المصري.

المسألة أكثر تعقيداً في ما يتعلق بقانون الاستثمار، ففكرته كانت مطروحة منذ سنوات، وبعد ثورة يونيو بات إصدار القانون جزءاً من القاموس العام، الذي يعد بالانطلاقة الكبرى سواء في شقها المادي الخاص بالمشروعات القومية الكبرى، أو في شقها المعنوي والقانوني، الذي يحفز المستثمرين المصريين على زيادة استثماراتهم، والمستثمرين الأجانب على القدوم إلى مصر.

عندما أعلنت مصر منذ عامين عن المؤتمر الاقتصادي فقد كان القانون أكثر ما وعدنا به من حضر المؤتمر، وأبدى استعداده للاستثمار في مصر، وذاع أيامها أن القانون سوف يتم عرضه أثناء المؤتمر، ثم صار الأمر أن القانون سوف يلحق بالمؤتمر، بعد أن عرفنا رغبات المستثمرين.

الآن مضى على الحديث عن القانون سنوات، وقيل في أثنائها أن القانون قد بات جاهزاً، ولكن لائحته التنفيذية هي التي تعوق صدوره، ولم يكن مفهوماً أن اللائحة يمكن أن يكون لها هذا القدر من الممانعة، ولكن للبيروقراطية باعها الطويل في المنع، أما إذا كان الحديث عن القانون كثيراً فإن الأمر يبدو كما لو أن المماطلة دائماً تكفي لإيقاف كل المراكب السائرة.

الثابت أننا اتخذنا قراراً شجاعاً بتعويم الجنيه المصري، فعاد مقياس القيمة إلى دوره في الاقتصاد الطبيعي، وبعد أربعة شهور علي صدور القانون في 3 نوفمبر الماضي فإن هناك شهادات على أن الخطوة الجريئة بدأت تعطي ثمارها.

الأخبار الطيبة تظهر من زيادة الاحتياطات الوطنية، وفي زيادة تحويلات العاملين المصريين في الخارج، وزيادة الصادرات، وتخفيض العجز في الميزان التجاري، وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات، وحتى السياحة ذلك القطاع المضروب أظهرت بعضاً من التحسن النسبي، بل إنها بدأت تحقق فائضاً بين السياحة في الداخل والخارج.

وبعد أن بدا أن التضخم لم يعد له سقف فإن سقفه الأعلى أخذ في الاستقرار النسبي، أما سعر العملة الوطنية فلم يصل إلى أكثر سقوفه جنوناً، الذي توقعها بعض منا.

أضف إلى هذا أخباراً مبشرة في مجال الغاز والطاقة في عمومها تعطي آمالاً بالخروج من أزمة كبيرة،

ولكن مثل هذه الأخبار الطيبة لا تعني بالضرورة الوصول إلي بر الأمان الاقتصادي، كلياً، هي فقط تذكر لنا أننا نسير على الطريق الصحيح؛ ولكن عربة الإصلاح لا تسير على الطريق الصحيح ما لم يتم مدها طوال الوقت بالوقود الإصلاحي الضروري لاستمرار قوة الدفع في الاقتصاد، والتغلب على الأخبار الممثلة في التضخم والبطالة، والانخفاض الحاد في سعر الجنيه، والعجز في الموازنة العامة، إلى آخر ما نعرفه من أوجاع.

ما يقوله الاقتصاديون: إن جزءاً كبيراً من العملية الاقتصادية له طبيعة نفسية فيه الكثير من الصحة، فالتفاؤل والتشاؤم يقوم في كثير من الأحوال على توقعات الإصلاح والسير في الطريق الصحيح.

لم يقل لنا أحد لماذا لم يصدر قانون الاستثمار، ولا ذكر لنا أحد شيئاً عن المعوقات التي تقف أمامه، وعما إذا كان هناك اختلافات في وجهات النظر تخص القانون، فنعرف المزيد عن أحوالنا الاقتصادية، والمقتربات الجارية بشأنها.

المتشائمون يفسرون الأمر بأن البيروقراطية لم تفرغ بعد من تأثيرها على القانون بوضع الكثير من العوائق أمام الاستثمار؛ أما المتفائلون فيرون أن القانون ليس هو القضية، وإنما مناخ الاستثمار هو الأساس في العملية الاستثمارية كلها.

بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم فإن التساؤل حول القانون يظل ملحاً، لأنه لا يجوز التأجيل المستمر، بينما الموقف السياسي من القضية الاستثمارية كلها هو السرعة في الاستثمار والإنجاز.

لا يمكن المضي قدماً في مشروعات البنية الأساسية دون استثمارات تستغل هذه البنية، وتعظم من عوائدها، وتجعل سداد ديونها ممكناً ومتاحاً.

لقد تغير الوزراء على وزارة الاستثمار، وجرى فكها وضمها لوزارات أخرى، وتحدث الجمع الوزاري بصيغ شتى عن الشباك الواحد، والامتيازات الاستثمارية، التي سوف نسعى إليها.

بالطبع لم يقل أحد شيئاً عن مكاننا الحالي في السلم العالمي لفرص الاستثمار، أو ما الذي سوف يجري لنا في معيار التنافسية الدولية.

لا أحد يقول، ولا أحد يتكلم، اللهم إلا أنه من وقت لآخر يقال إن وزيراً أو وزراء تحدثوا مع الضيوف الأجانب عن المزايا القادمة في قانون الاستثمار، الذي لم يصدر بعد.

 

Email