الورقة المحروقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المأثور العراقي مثلٌ جميل يقول: «حظّي بكل شيء أسود بس بالرقّي أبيض»، ولئن كان سبب هذا المثل أمرٌ آخر إلا أن ما يعانيه العراق العظيم هذه السنوات من تكالب الصغار واللصوص والأفّاقين على مشهده السياسي يجعل هذا المثَل معبراً بصورة جليّة عمّا يحدث!

كريم شاهبوري، الذي يُعرَف حالياً بموفق الربيعي، كان أحد أولئك «النكرات» التي لم تعرف بسِجِل نضالي أو تاريخ مشرّف، بل أتى على ظهور وفوّهات دبابات أبرامز الأميركية كبقيّة اللصوص، ثم عيّنه بريمر مستشاراً للأمن القومي بالعراق، ليقوم من فوره مع بقية الجوقة القادمة مع الاحتلال بتحويل المؤسسات الحكومية إلى شركات خاصة، وليسارع بملء مؤسسته، وما يرتبط بها، بأهله ومقربيه، وليقوم بمنح العديد من أقاربه غير المستحقين وظائف برواتب لا يحصل عليها رئيس وزراء؛ لذا لم يكن غريباً أنّه لم يحصل في الانتخابات الأخيرة إلا على صوت واحد هو صوته فقط، بمعنى أنّ حتى زوجته لم تثق به لتعطيه صوتها!!

هذا الشخص لمن لا يعرفه كان هارباً في لندن، وادّعى زوراً بأنه من قبيلة ربيعة، واخترع فرعاً لها غير موجود سمّاه «العميرات»، وكانت بدايته كعضو في حزب الدعوة قبل أن يتم طرده، ثم تزلّف لحركة الوفاق الوطني التابعة لإياد علاوي منتصف التسعينيات قبل أن يخرج أو يُخرَج منها، وتقرّب للأميركان وأدمن زيارة السفارة الأميركية بلندن، وبعد أن كان يمتلك مكتباً بالعاصمة البريطانية لتشغيل الأطباء في المستشفيات بعمولة أصبح المسؤول الأبرز عن جباية «الخُمُس» من شيعة بعض الدول!

موفق الربيعي أو «كيسنجر الغفلة»، الفاشل بصورة غير مسبوقة في منصبه، الذي لم يعرف عنه العراقيون سوى الاسم الفخم فقط، كبقية مسميات الساسة الفضفاضة التي لا تعني إلا مزيداً من السارقين والقليل من الفتات للشعب، حتى أصبح المثل الآخر ينطبق بصورة أوضح لوصف حال الناس البسطاء: «جزنا من العنب ونريد سلّتنا»، فمستشار الأمن القومي الذي أتى به الأميركان كبقية الخونة ليلة الاحتلال لم يحرّك من معاناة شعب العراق الأبي ساكناً، ولم يتعد دوره سوى تحليلات أقرب لأفلام الكرتون وشطحات المهلوسين.

وتنقّل بين المعسكرات تنقلاً غير مسبوق، فأحياناً يسجد على أعتاب طهران ويقبل أحذية ملاليها، ثم نجده حيناً آخر يحاول انتقاد تدخلاتها ببلاده، وانتقاد وجود قاسم سليماني يتجول في ميادين المعارك على أرض العراق؛ وعندما لفظه الإيرانيون إلى قارعة الطريق عاد للدفاع عن تدخلات طهران كما فعل أخيراً، وهو يبرر لها بأنّها تحمي كيانها وأمنها وبأنّه لو كان مكان قاسم سليماني لفعل كما يفعل!

هذا المتهوّر لا يفتأ «يجلط» المتابعين لأحداث المنطقة، فقد خرج أخيراً أيضاً وكأنه أقسم على مخالفة المتوقع طمعاً في الظهور بعد أن كاد الإعلام أن ينساه، ليقول إنّ تمديد الولايات المتحدة الأميركية للعقوبات على إيران هو عداء للأمة الإسلامية! إي والله، أصبحت شجرة الشياطين، إيران، لديه مما يمثّل معاقبتها استهدافاً للإسلام البريء منها براءة النهار من الليل.

والغريب أنه لم يتحدث عن البلاد التي يحمل جنسيتها وجعلتها إيران التي يدافع عنها ملعباً لميليشياتها وقادة حرسها الثوري الشيطاني ليعيث بها فساداً، ولم يتحدّث عن نوري المالكي مدلل لطهران الذي أوجد «داعش»، وترك لها كامل شمال العراق لتستبيحه بطريقة مخجلة من انكشافها كتمثيلية بائسة تحاول استعجال الجزء الثاني، الذي يتم حالياً من خلال زج الميليشيات الطائفية وعصابات الحشد الشعبي لتقوم بتهجير السكّان السنّة، وتستعجل التغيير الديموغرافي لشمال العراق كما فعلوا في بغداد وما جاورها، ولم يتحدث عن التريليونات المسروقة من قبله وبقية عصابة الأربعين حرامي لكنه خرج ليقول من السُكر كُفراً ومن الكُفر سُكراً!

هذا الشخص أُصيب بالعمى «الاختياري» ليترك شياطينه التي يعمل معها ويلهج بحَمْدها ويدافع عنها لكي يخرج أحقاده تجاه من لا يستحق أن يكون موطئاً لهم، فقد أصيب «شاهبوري» بالسُعار وهو يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُعلِن قائمة الدول الممنوع حاملي جوازاتها من دخول بلاده ومن ضمنها العراق، وبدلاً من محاولة البحث عن أسباب ذلك المنع من دخول أرض السيّد الكبير رغم أنّ الأميركان هم من احتل العراق وأسقط حكومة صدام ثم سَلّمها لعبيد إيران، إلاّ أن «يكاد المريب يقول خذوني دوماً»، فقد خرج لنا هذا المستشار على قناة «سي إن إن» محاولاً تزييف الحقائق وتشويه الصفحات النقية قائلاً إنّ ترامب «بصق علينا كعراقيين واستثنى الإرهابيين الحقيقيين»!

هل توجد صفاقة أكثر من ذلك؟

هل توجد صفاقة ووقاحة أكثر من ذلك؟ السعودية والإمارات اللتان أخذتا على عاتقيهما في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العرب مهمة الوقوف أمام المشروع التوسعي الصفوي وحماية شعوب المنطقة وكياناتها من هذا التغوّل التخريبي لجمهورية الشر أصبحتا في عُرف عبد إيران الربيعي «إرهابية»؛ لا عجب من ذلك، فالدولتان العظيمتان أصبحتا غُصّة في حلق إيران وأزلامها وطابورها الخامس الذين آلمهم وأصابهم بالجنون أنّ الأسفين قد دُقّ في نعش مشروع الملالي، ولا غرابة أن يموت كمداً وهو يرى ترامب يجري اتصالاً هاتفياً مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز واتصالاً آخراً مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للتباحث عن أمور المنطقة وزيادة قنوات التعاون والتكامل بين الولايات المتحدة الأميركية ومركزي الثقل الكبير في الشرق الأوسط «السعودية والإمارات»، بينما كانت «السفارة الأميركية» في العراق تُبْلِغ حيدر العبادي برفض إدارة الرئيس ترامب زيارته أو رؤيته!

أمثال الربيعي لا تحفظهم سجلات التاريخ، ولا تذكرهم الأجيال، إلا في محل التندّر وصب اللعنات، ومهما فرح بنشر الإعلام الإيراني لتخرّصاته وأكاذيبه فليس ذلك سوى لأنها تخدم مشروع الخداع الإعلامي لحكومة الملالي، أما هو فبالتأكيد لا يعدو أن يكون ورقة محروقة لديهم لا مكان لها في المستقبل مهما تزلّف!

Email