وصايا للدعاة والمثقفين المغردين

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه وصايا أحببت أن أوصي بها نفسي، وأهديها لإخواني الدعاة والمثقفين المغردين، لتنمية الخطاب الدعوي والثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي، ورفده بالمخرجات الإيجابية التي تصب في مصلحة المجتمع والوطن، ليكون الجميع متكاتفين متكافلين كالدرع المتين.

فأول هذه المخرجات بيان الإسلام الصحيح المبني على القرآن والسنة وهدي الصحابة وعلم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة وإرث الأئمة المعتبرين عبر العصور، وتصحيح التصورات المغلوطة التي تسيء إلى نقاء الإسلام، وتناقض جوهره، وتشوه سماحته، كالتصورات التي يروجها الإرهابيون وأمثالهم، وإظهار محاسن الإسلام، وما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق وجميل القيم ومعالي الشيم، وبيان موافقته للفطرة الإنسانية السليمة والعقول المستقيمة، وموافقته لكل مصلحة دنيوية راجحة، ولجميع الحقوق والحريات الحقة للرجل والمرأة، وبيان أن أي قيمة حديثة صحيحة وأي قانون علمي ثابت وأي حقيقة أرضية أو كونية ثابتة وأي تجربة نافعة مفيدة لا تُعارِض تعاليم الإسلام الصحيح ألبتة، لأنها من لدن حكيم خبير، وأن العلاقة بين الخطاب الدعوي والثقافي تكامل وانسجام، لا تصارع واصطدام، وأن أي خطاب ثقافي يهدف لإحلال أي مكوّن محل الخطاب الديني فهو آيل للفشل لا محالة، لأن المجتمعات العربية والإسلامية متدينة بطبعها، وأن أي خطاب ديني بعيد عن مخرجات الإسلام الصحيح فهو آيل للفشل أيضاً، لمصادمته للشرع والفطرة ومقتضيات الحضارة والواقع.

ومن المخرجات أيضاً العناية بالوسطية والاعتدال، والبعد عن التشدد والغلو، أو التساهل والتفريط، فكلاهما مذموم، والوسطية منهج أصيل شامل لكل أمر وشأن، عقيدةً وفكراً، وعبادةً وتديُّناً، وتعاملاً وسلوكاً، فالمتشدد يمنع الاستفادة والانفتاح على تجارب الأمم وحضاراتها، والتفاعل الإيجابي بين الثقافات والشعوب، والمتساهل يدعو للتقليد الأعمى، والتبعية المطلقة، ويذيب خصوصيات المجتمع لصالح مشاريع الغزو الثقافي وقوى الاستعمار، وكلا هذين النمطين - التشدد والتساهل – خطير على هوية الدول وتقدمها، وذم العلماء المتطرف الذي يغلو في الدين ويضيّق على الناس ما أباح الله لهم، كما ذموا من سمَّوه بالمفتي الماجن الذي يفتي الناس بالحيل الباطلة ليحلل لهم المحرمات، في دلالة واضحة على أن الوسطية منهاج حياة. ومن الأمور المهمة التي يحتاجها الداعية والمثقف الحرص على رأب الصدع، وتضييق دائرة الخلاف، وتقوية عوامل الالتقاء، وإضعاف عوامل الافتراق، وإسداء النصيحة بالحسنى، وترويض النفس على قبول الحق، والتنازل عن الرأي إذا بدا خطأه، وقبول الرأي الآخر إذا بدا صوابه، ورحم الله الإمام الشافعي القائل: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، والعاقل يتعامل مع الخلاف بحكمة، ويحرص على احتواء الآخر ما أمكن، ويسعى لتعزيز عوامل الالتقاء على كلمة سواء، ويتخذ من الرفق واللين واسطة عِقد للمحاورة الجميلة، ومن الكلام المقنع والأسلوب المبدع طريقاً إلى قلب الآخر، ويتحلى بثقافة التسامح، والحلم والصفح، وسعة الصدر، والتواضع، فلا يليق بالداعية أو المثقف أن يكون سريع الغضب، ضيّق الصدر، متكبراً على الآخرين، بل ينبغي أن يكون قدوة، يُحسن التعامل مع العقلاء، ويُعرض عن الجهلاء، ويبتعد عن الحدة في الخطاب، ولغة الاستفزاز التي تولّد الصدام والتنافر، ويستعمل الكلمة الطيبة التي تقرب البعيد، وتجلب التآلف.

ومن المخرجات المهمة للداعية والمثقف الالتزام بالأناة والروية في التعامل مع المشكلات الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية أو غيرها، فالإنسان الحكيم يتعامل مع المشكلات تعامل الطبيب الحاذق، يتأنَّى في تشخيص المشكلة، ولا يتسرع.ومما ينبغي الحذر منه النقد الفوضوي المؤدي للاضطراب ووقوع المفاسد، خصوصاً فيما يتعلق بنقد مؤسسات الدولة والتهجم عليها، فالعاقل يحرص على تقديم النصيحة عبر المسارات الصحيحة للجهات المختصة، لتكون نصيحة خير، لا فتنة وتحريض وتشهير.

ومن المخرجات المهمة كذلك الابتعاد عن التحزب والطائفية والتكتلات التي تمزق المجتمع.

وكذلك ينبغي على الداعية والمثقف العناية بتعزيز المبادرات التي تطلقها القيادة الحكيمة، مثل مبادرة عام الخير التي تهدف لترسيخ العمل الخيري والتطوعي، ومبادرة القراءة وغيرها، فإن ذلك من التعاون، والله تعالى يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى}.

ومن ذلك أيضاً إبراز إنجازات القيادة الحكيمة، وإنجازات المؤسسات الحكومية، وتعزيز ذلك، فمِن شكر النعم التحدُّث بها، وهذه الثقافة تولد الفخر والاعتزاز بالوطن وقيادته، وتدفع الأجيال الحاضرة والمستقبلة للجد والتفاني للمحافظة على المكتسبات والسعي لإكمال مسيرة الرقي وتبوؤ المراكز الأولى في مختلف المجالات.

ومن ذلك كذلك العناية بخطاب حماية الوطن، والمحافظة على المجتمع وتماسكه وترابطه والتلاحم بين القيادة والمجتمع، وإبراز تضحيات الشهداء، وقيم الفداء والدفاع عن الوطن، وتلبية نداء الواجب، وتكافل أبناء المجتمع في السراء والضراء وفي الأفراح والأحزان، فالمؤمنون جسد واحد، والوطن سفينة تقل الجميع نحو العلا والأمجاد.

Email