مؤامرة في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أدري ماذا سوف يكون رأي المؤيدين لنظرية المؤامرة فيما يحدث حاليا في الولايات المتحدة الأميركية، ولا نجد حتى الآن من ينسجها ويتحدث بها لا هنا ولا هناك.

خيوط المؤامرة بدأت كما تبدأ بخطوة غير مفهومة كما هي العادة في كل المؤامرات، وهي قيام السيد دونالد ترامب بالترشح للرئاسة الأميركية رغم أنه كان في السابق عضوا في الحزب الديمقراطي، ولم يكن أحد في الحزب الجمهوري متحمسا لهذا المستجد على التقاليد الجمهورية.

التآمريون، أو أصحاب نظرية المؤامرة، يرون أن هذه الخطوة لا تحدث إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها. فما هي الأسباب يا ترى التي جعلت ترامب يترشح فجأة وهل ما فعله هو من قبيل الصدفة؟.

مسيرة ترامب بعد ذلك معروفة، فالرجل فاز على 17 جمهوريا في الانتخابات التمهيدية، ثم فاز على هيلاري كلينتون التي رشحتها كل استطلاعات الرأي العام للفوز، وحتى أنها فازت بالفعل بأغلبية الأصوات الشعبية في أميركا، ولكنها خسرت المجمع الانتخابي.

كيف حدث هذا إلا إذا كانت هناك أسرار كبرى توضح طبيعة المؤامرة الكبرى التي بدأت أولى خطواتها بإعلان ترامب تقديره للرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، وشخصيته القوية. مثل ذلك لم يحدث من قبل من رئيس أميركي لرئيس روسي حدث أنه كان عضوا في جهاز المخابرات السوفيتية الشهير KGB وأصبح في النهاية رئيسا للاتحاد الروسي، سالكا طريقا في سياسته الداخلية والخارجية من أجل عودة روسيا إلى مكانتها كقوة عظمى.

لكن الغزل في الرئيس الروسي لم يكن هو كل القصة، وإنما بدأت مظاهرها في الظهور أثناء الحملة الانتخابية عندما بدأت «ويكيليكس» لصاحبها جوليا أوسانج العميل لدى المخابرات الروسية في إذاعة رسائل إلكترونية للجنة الوطنية الديموقراطية (الحزب الديمقراطي الأميركي)، ولأعضاء رئيسيين في حملة هيلاري كلينتون الانتخابية تشين المرشحة الديمقراطية.

أكثر من هذا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي اكتشف «فجأة» أسبوعا قبل يوم الانتخابات أن هناك حاجة إلى إعادة فتح قضية الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون مرة أخرى بعد إغلاقها السابق.

هذا التتالي في المصائب الانتخابية للتأثير في الناخبين دفعت عددا من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، الديمقراطيين والجمهوريين أيضا، إلى التساؤل عما إذا كان هناك عمل روسي مخابراتي للتأثير في الانتخابات الأميركية، بحيث تفرض روسيا مرشحها في النهاية على البيت الأبيض؟.

رد فعل ترامب على ذلك كان مثيرا للهواجس، ففي البداية ركز على أن اختراق البريد الإلكتروني ليس بالأمر الصعب، ومن الوارد أن يكون أكثر من طرف قادر على ذلك، فربما يكون الصين أو أعداء آخرين لآل كلينتون.

ولكن هذا الرد دفع 17 جهازاً للمخابرات في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مكتب التحقيق الفيدرالي، للبحث في الأمر، ثم إصدار تقرير مؤداه صحة التقدير الذي يرى أن المخابرات الروسية حاولت بالفعل التدخل في الانتخابات الأميركية (تاريخيا تدخلت المخابرات الأمريكية في العديد من الانتخابات التي جرت في دول أخرى).

عندما طلبت أجهزة المخابرات أسبوعا لعرض الأمر على الرئيس المنتخب، جاء تعليقه أنه ربما تحتاج هذه الأجهزة إلى وقت لتجهيز القضية.

وفي كل الأحوال فإن الرئيس الذي لا يزال في البيت الأبيض باراك أوباما قرر ليس فقط تصديق تقرير أجهزة مخابراته، وإنما توقيع عقوبات منها طرد 35 دبلوماسياً روسياً من واشنطن بتهمة التورط في المؤامرة. بوتين من ناحيته قرر عدم الرد على هذه الخطوة غير الدبلوماسية والانتظار حتى يأتي الرئيس الجديد، الذي علق بدوره بأن ما فعله بوتين يعد أمراً ذكياً.

مثل ذلك لا يوجد له سابقة في الحياة السياسية الأميركية، ولا في العلاقات الروسية الأميركية أن تجري العلاقات على مستوى رئيسين للدولة الأميركية، أحدهم في البيت الأبيض والآخر في برج ترامب في نيويورك، اللهم إلا إذا كان السيد ترامب له علاقة خاصة بالسيد بوتين.

جماعة أنصار نظرية المؤامرة في مصر والعالم العربي يمكنها أن تصل من القصة السابقة أن هناك علاقة عمل وعمالة جارية وصلت إلى أن موسكو نجحت في تنصيب رئيس جديد في واشنطن، ولا يوجد دليل أكثر من تقرير أجهزة المخابرات الأميركية التي أدانت بالفعل السلوك الروسي. هل يوجد أكثر من ذلك دليل؟ ولكن الأهم لماذا لا يوجد في واشنطن من يصرخ بالمؤامرة، بل إن بيل وهيلاري كلينتون سوف يحضران احتفال تنصيب ترامب؟ لا بد أن هناك أمرا في عالم الأميركيين خطأ؟!

 

Email