الحالة الاستثمارية في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرار تعويم الجنيه المصري، وحزمة الإصلاحات الاقتصادية التي صاحبته، وما نجم عنهما من اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كل ذلك كان البداية الصحيحة لوضع الاقتصاد المصري أولاً في حالة طبيعية للأمور، وثانياً لدخول مرحلة من النمو تكفل للمواطن المصري أن يعيش أفضل مما يعيش عليه الآن.

وأياً كانت الحكمة التي وراء هذا المنطق، وأياً كان ما تقول لنا به التجارب الدولية الكثيرة التي سبقتنا، فإن النجاح والفشل لن يكون نتيجة العلاج السابق وحده، وإنما نتيجة دخول البلاد حالة استثمارية كبيرة بل وهائلة تكفل الانخفاض لمعدل البطالة، وتكفي فيها المنافسة لكي يتراجع التضخم والغلاء، وفي كل الأحوال تؤدي إلى زيادة الدخول.

هكذا يكون الإصلاح الاقتصادي ومساره الطبيعي، وإلا أصبح مثل الطريق الذي نمهده وفقاً للمواصفات العالمية، ثم بعد ذلك لا يسير عليه بشر، ولا تمر به ناقلة، ولا تنتقل عليه سلع أو بضائع، أو لا يصل بين مدن أو قرى أو مطارات وموانئ.

الحالة الاستثمارية هي وحدها التي تجعل للطريق معنى في الواقع، وهي التي تجعل الإصلاح الاقتصادي سبيلاً إلى النمو والتنمية وارتفاع مكانة الدولة. وهي التي تعني في النهاية التفاف الشعب خلف قيادته.

الحالة الاستثمارية أكبر بكثير من مجموعة الإجراءات المادية لتشجيع الاستثمار المصري والأجنبي. وصدور قانون جيد للاستثمار (القانون الجيد للاستثمار هو الذي يؤدي إلي الاستثمار، أما القانون غير الجيد فهو الذي يؤدي إلى قتل الاستثمار القائم ويمنع الاستثمار الجديد)، مع فك القيود الثقيلة أمام القطاع الخاص فيما هو معروف بإجراءات تسهيل ممارسة الأعمال.

وتشجيع المصانع والمشروعات المتوقفة عن العمل على العودة إلى العملية الإنتاجية، وغير ذلك كثير؛ كله معروف وسبق ترديده، ولن نكف عن معاودة الحديث فيه مراراً وتكراراً.

ولكن الحالة الاستثمارية هي حالة أكبر من كل القوانين والإجراءات على أهميتها، ولكنها حالة نفسية من رفع الخوف عن الناس، سواء أكان ذلك خوفاً من السلطة، أم خوفاً من الطبيعة، أم خوفاً من الحياة. هي حالة من الأمل في المستقبل بقدر ما هي ثقة في الحاضر بأن البلاد سوف تخرج من تلك الحالة من الاضطراب التي عاشتها خلال السنوات الأخيرة.

وكذلك فإنها لن تكرر الأخطاء التي جرت في السابق، وتتعلم في ذات الوقت الدروس الضرورية لكي يكون البناء راسخاً.

يوم الجمعة الماضي كتبت المصري اليوم عن الأصوات المختلفة مع النظام من أرضية الولاء للوطن ومصالحه، وأشار ضمن من أشار إليهم إلى إبراهيم عيسى باعتباره صاحب آراء بناءة يختلف من على أرضية النظام وليس من خارجه.

الخوف المادي شاهدناه خلال الفترة الماضية عندما بدأ تعويم الجنيه وبدا أنه من الممكن أن يستقر سعر تبادل الجنيه عند ١٧ جنيهاً للدولار. ولكن جريمة الإرهاب في الكنيسة البطرسية سرعان ما جعلته يقفز إلى ما بعد ١٩ جنيهاً، وهو ما يخالف كل القواعد الاقتصادية المقبولة، ولكنه الخوف الذي كان يجعل الناس في الماضي يخزنون أموالهم ذهباً ساعة الخطر.

والآن فإن التخزين يكون بالدولار. تجاوز الجريمة الإرهابية ممكن بعزيمة الشعب، وجهود الأمن، واطمئنان القيادة؛ ولكن الخوف العام الذي يتسلل إلى قلوب وعقول وضمائر الناس سرعان ما يتسلل إلى المجتمع والاقتصاد والأخلاق العامة؛ والأخطر أنه متى حل فإن رفعه يصبح بالغ الصعوبة، وربما يأتي بعد مقتل الحالة الاستثمارية. مثل ذلك لا يمكن للدولة أن تسمح به لأن فشل الإصلاح الاقتصادي سوف يكون له نتائج وخيمة.

 

Email