القرارات البطيئة والسريعة

بينما كنت أتبضع في متجر عالمي في الولايات المتحدة الأميركية أثارت فضولي ساعة إلكترونية علقت عند مدخل ممر يفضي إلى غرف تبديل الملابس، حيث يقف طابور طويل من الزبائن في انتظار دورهم. كانت الساعة «الغريبة» تحسب بالدقائق المدة التي يستغرقها كل زبون بغرفته في المفاضلة بين خيارات الملابس التي انتقاها.

دفعني الفضول إلى سؤال الشاب المسؤول عن تنظيم حركة الدخول فقلت له: هل تقومون بدراسة ميدانية عن سرعة اتخاذ القرار؟ فاستغرب سؤالي بابتسامة أتبعها بالنفي. وكان سبب تساؤلي نابعاً من أنني لاحظت أن هناك من استغرق 21 دقيقة ليحسم قرار الشراء فيما لم يستغرق البعض سوى 4 دقائق، وكلاهما كان يقيس العدد نفسه من الملابس! وكانت مدد اتخاذ الآخرين للقرارات متفاوتة أيضاً.

هذا المشهد الذي وقفت أتابعه باهتمام يكشف لنا أن بعض الناس بطبيعتهم يستغرقون وقتاً أطول للتأمل والتفكير وربما الاستشارة، فيما قد يحسم البعض الآخر أمره في دقائق معدودة. والمسألة مرتبطة بالخبرات السابقة والتعود والمران؛ فطريقة اتخاذ القرار عموماً هي عادة من عادات الإنسان التي يجب أن يقويها بسرعة الحسم حينما تكتمل أركان القرار.

لأنه كلما ماطل الفرد بقرار بسيط تراكمت معه همومه على حساب قرارات أخرى مصيرية. فكم من فرد فاته خصم كبير في التنزيلات أو وظيفة مرموقة أو صفقة تجارية مجزية أو ارتفعت أمامه أسعار تذكرة سفر لأنه كان أسير التردد! ولا ينتبه كثير منا إلى أن التسويف أو المماطلة أحياناً هي حيل عقلية يطلقها العقل الباطن ليدفع عن نفسه عناء اتخاذ قرار بسيط لا يعلم مدى تبعاته.

واتخاذ القرارات هي عملية تقوى بمزيد من القرارات والتجربة والخطأ. وتلعب الخبرة والمران دوراً كبيراً في سرعة حسم القرار؛ إذ تشير دراسة قرأتها إلى أن لاعبي كرة القدم والجمباز المحترفين تكون استجابتهم للموقف الذي يعترضهم أفضل من غيرهم بسبب الخبرة التي قوت لديهم ردة الفعل وسرعة اتخاذ القرار.

ولذا تضع المؤسسات المعتبرة أمهر وأفضل موظفيها في مواقع حساسة مثل غرف العناية الفائقة أو سيارات الإسعافات أو المشاركة بحوادث الإطفاء والإنقاذ الحرجة، أو في هدم المباني الشاهقة ليحسنوا اتخاذ القرار السريع لحظة وقوع مكروه. وحتى التربويون يرددون دوماً ضرورة أن نمنح أطفالنا حرية اتخاذ القرار بالمفاضلة بين شيئين ليتحمل الطفل تبعات قراره وتقوى عنده قوة اتخاذ القرار.

وقد سمعت من طيار حربي وآخر مدني أن الطيارين يتم تدريبهم على اتخاذ قرارات حرجة للغاية في غضون 5 ثوان. أحدهم وصف هذا الأمر بأنه «صعب للغاية في البداية»، لكن عقل الإنسان سرعان ما يتطور بصورة مذهلة تمكنه من التسريع من عملية اتخاذ القرار.

وهو يقصد أن سرعة اتخاذ القرار يمكن أن تتحسن بالتدريب فكل ثانية في قمرة القيادة قد تنقذ أرواح مئات الركاب أو مئات الملايين من الدولارات وهي قيمة الطائرة التي يمكن أن ينجو بها بانعطافة «بهلوانية» جوية تفادياً لصاروخ مباغت أو مبنى شاهق أو سرب من الطيور.

أهمية التسريع من اتخاذ القرارات لا تعني أن يلقي المرء بنفسه إلى التهلكة باتخاذه قرارات مصيرية بسرعة البرق كالزواج أو اختيار التخصص أو الوظيفة وغيرها من دون الاستشارة أو الاستخارة. ومن دون أن يقطع شوطاً في تمرين نفسه على حسم القرارات الصغيرة لتكون بمثابة خطوات نحو تمكينه من اتخاذ قرارات رشيدة أكبر وبأسرع وأكفأ الطرق الممكنة.

 

الأكثر مشاركة