حروب تشتعل من العدم

ت + ت - الحجم الطبيعي

دأب الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا الصيف على لعب الغولف، وكان كل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب يغدقان العالم بوعودهما.

لقد بدا صيف عام 1941 في أوروبا هادئاً، ولكن في الثامن عشر من يوليو، جرى اغتيال فرانس فرديناند، وريث عرش الإمبراطورية النمساوية، وذلك في سراييفو على يد غافريلو برينسيب، وبمساعدة من الانفصاليين الصرب. وقد أثار ذلك الفعل حينها الحرب العالمية الأولى.

أما في صيف عام 1939، اعتقد معظم المراقبين أن أدولف هتلر تمكن حينها من التعامل مع أعماله البلطجية التسلسلية. ويفترض أن استرضاءه قد أشبعت شهيته الإقليمية الهائلة. بيد أنه في الأول من شهر سبتمبر هاجمت ألمانيا النازية بولندا، على نحو غير متوقع، لتبدأ الحرب العالمية الثانية، التي أودت بحياة 60 مليون شخص.

غالباً ما يبدو أن الحروب تنشأ من العدم، على غرار كثير من الأحداث غير المحتملة التي تشعل الخلافات المتأججة منذ فترة طويلة في صورة مواجهات عالمية. وغالباً ما يكون المحرضون مهاجمون ضعفاء الذين يفترضون بأن الدول الأقوى تطمح للسلام بأي ثمن، وبالتالي لن تتجاوب بإيجاد رد فعل على العدوان الانتهازي.

وللأسف، فإن الهدوء الذي جاء آخر صيف عام 2016 كان يخفي تحته الكثير من التوترات المتفاقمة التي تستدعي الحل، والمنبثقة على نحو كبير بسبب خطة فك الارتباط المفترضة من قبل أميركا المنهكة. وبالمقابل، وعلى عكس الدول الفردية، فإن الحرب لا تنام.

لقد كانت روسيا تحشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا. ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد بأن أوروبا في حالة من الفوضى المطلقة، وأن الرئيس باراك أوباما يظل مهتماً بشكل أكبر بالاعتذار للأجانب عن شرور بلاده في الماضي. ويراهن بوتين بأنه لا وجود لقوة غربية منهكة يمكنها، أو ترغب في، أن توقف تقدمه نحو أوكرانيا، أو توجهه لاحقاً نحو دول البلطيق. ولكن من يأبه من بين أهالي امستردام بالنسبة إلى ما يحدث في كييف البعيدة؟.

بادلت إيران الرهائن الأميركيين بالمال. وأخطأ صاروخ إيراني حاملة طائرات أميركية منذ وقت ليس ببعيد. وخطف الإيرانيون زورقاً أميركياً وكان هناك سفن حربية في الخليج العربي. وهناك الكثير من الوعود من طهران لتفجير إما إسرائيل أو أميركا أو كلتيهما.

كما أن كوريا الشمالية أكثر من مجرد وهم. فالاختبارات النووية الأخيرة والصواريخ التي تم إطلاقها نحو اليابان تشير إلى أن رجل كوريا الشمالية القوي، كيم جونغ أون، يعتقد أن بإمكانه الفوز بالحرب، والفوز بتنازلات أكبر من الغرب ومن الجيران الآسيويين.

ويبدو المتطرفون أكثر جرأة على الإقدام على كثير من الهجمات. وأخيراً، حدثت تفجيرات في مانهاتن ونيوجيرسي، فضلا عن حوادث طعن كثيرة في مركز مينيسوتا التجاري، مما بث إحباطاً أميركياً.

تعرضت أوروبا وأميركا للإرباك بسبب الأعداد الكبيرة للشبان المهاجرين الذكور، من الشرق الأوسط الممزق. وأصاب التصحيح السياسي قادة الغرب بالذهول.

يبدو أن الحكومة الأميركية مهتمة اليوم، بشكل أكبر، بإغلاق مركز الاعتقال في خليج غوانتانامو.

ويتم تشجيع كثير من المعتدين، نظراً لإجراء تخفيضات هائلة في ميزانية الدفاع الأميركية. لقد عكست فترة رئاسة أوباما، التي وصفت بالبطة العرجاء، إلى جانب مجموعة من السياسات، عكست ضجر الناخبين بالنسبة إلى التزامات البلاد في الخارج.

قد يكون من الخطأ افتراض أن الحرب أمر مستحيل، لأنها لا تفيد أحداً، أو لأنه قد عفا عليها الزمن في القرن الواحد والعشرين. أو أن ذلك قد يكون ضرباً من الجنون في عالم الأسلحة النووية.

إن الطبيعة البشرية لا تتغير وتبقى غير منطقية، كما أن الشر أبدي. وللأسف غالبا ما لا ينظر السفاحون إلى الترضية باعتبارها شهامة يرد عليها بالمثل، وإنما جبن يمكن استغلاله.

سيضطر البعض قريباً لإخبار سكان كوريا الشمالية أن النظام الثابت للعالم لا يمكنه تحمل عملياتها لإطلاق الصواريخ، والتفجيرات النووية. ويمكن لشخص ما أن يذكر بوتين بأن الجمهوريات السوفييتية السابقة لديها الحق في تقرير المصير.

قد يقول البعض للصينيين إن لا أحد يمكنه بناء جزر اصطناعية وقواعد عسكرية للسيطرة على الممرات البحرية التجارية. كما قد يوضح أحدهم الإرهابيين المتطرفين بأن هناك حداً للصبر الغربي مع القصف المتواصل والقتل والدمار.

لكن تتمثل المشكلة بأن ليس هناك من «أحد ما» (لا سيما بالنسبة إلى أميركا أو الاتحاد الأوروبي). ولكن، ولفترة طويلة، أدت أميركا أكثر من حصتها العادلة من حفظ النظام الدولي. كما أن سكانها متعبون من التزاماتها في الخارج.

تتمثل النتيجة في هذا الوقت المتأخر، بأن الدواء القوي لاستعادة الردع طويل الأمد خطر، في الغالب، كمرض استمرار الاسترضاء، على المدى القصير.

يفترض أوباما أن بإمكانه ترك المنصب كصانع سلام قبل أن يبلغ الأشخاص الذين يسترضونه منتهاهم بطريقة عنيفة. وقد أكد لنا أن العالم لم يكن يوماً أكثر هدوءاً.

لقد قال آخرون الأمور ذاتها خلال الصيف الهادئ لعام 1914 و1939. غيوم الحرب تتجمع، وسيهطل مطر شديد قريباً.

 

Email