اتهام الغرب بدلاً من أنفسنا

دأب الكثيرون منا في أغلب الندوات والمؤتمرات التي تناقش العنف والتوتر والاقتتال الأهلي والداخلي في البؤر الملتهبة في العالم العربي، خاصة سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وغيرها، وكذلك في جزء كبير من الكتابات الصحافية وغير الصحافية، على التركيز على الدور الخارجي عموماً، ودور القوى الغربية خصوصاً.

ونادراً ما يتطرق الحديث عن مسؤولية الأنظمة الحاكمة، وأساليب الحكم ودور التكوينات الداخلية الطائفية والدينية والثقافية، في إطلاق شرارة هذا العنف المدمر، وتحوله إلى طاقة مخربة تحرق الأخضر واليابس، وتقتل الأمل في نفوس المواطنين المتطلعين إلى حياة آمنة.

ولا شك أن التركيز على الدور الخارجي الذي لعبته، ولا تزال تلعبه، القوى الغربية في هذا الإطار، يستند إلى حجج وحقائق قوية في مجملها، غير أن اعتبار هذا الدور هو المسؤول الأول والأخير، هو بذاته ما يستحق النقد والتحليل.

إن إسناد المسؤولية الأولى للقوى الخارجية والعامل الخارجي في ما آلت إليه الأمور في العالم العربي، يستند إلى ما يسمى الإزاحة أو الإسقاط، أي تحميل المسؤولية للآخرين، وتبرئه ذواتنا وميراثنا وتكويننا من كل عيب، وذلك فضلاً عن الراحة التي نحس بها عندما يكون الآخرون هم من تسبب في هذه الفوضى العارمة، ونعفي أنفسنا ودولنا وحكوماتنا من النقد والمسؤولية، ويمثل ذلك في تقديري، نوعاً من التواطؤ الجمعي على الإخفاء وحجب الاعتراف، وصرف الانتباه عن الأوضاع الداخلية التي تراكمت على مدار العقود والسنين.

إلى جانب الدور الخارجي ودور القوى الغربية في المشهد الراهن، فلا يمكن تجاهل طبيعة الدولة الوطنية، دولة ما بعد الاستقلال والنخب الحزبية والعسكرية التي تصدرت المشهد، فهذه الدولة الاستبدادية، وسواء كانت ذات توجه وطني أو قومي، فشلت في تحقيق المساواة بين المواطنين، وفي الوفاء بحقوق المواطنة، وفي تلبية مطالب الجمهور العريض وإشباع حاجاته الأساسية.

وفوق ذلك، فإن الدولة الوطنية لم تتمكن من احتواء أو تجاوز البنى التقليدية القبلية والعشائرية والعرقية، وفشلت في ابتكار صيغة لتمثيل مصالح هذه التكوينات ومساعدتها على الانخراط في هيكل الدولة ومؤسساتها، بل على العكس، بقيت هذه التكوينات على حالها، وأطلت برأسها بعد انهيار الدولة ومؤسساتها، فظهر في العراق الانقسام المذهبي بين السنة والشيعة، بين الشمال والجنوب، وظهرت العشائر، وكأن الدولة الوطنية القومية كانت مجرد غطاء.

وبناء على ذلك، فإن فاعلية الدور الغربي والخارجي لن تكتمل، ولن تمارس تأثيرها إلا إذا وجدت الأرض المهيأة لهذا الدور، وهي في الحالة العربية، فشل الدولة الوطنية، وتفاقم الانقسامات المذهبية والطائفية والقبلية، وظهور القابلية للتفتيت والتدخل الخارجي، حيث وجدت القوى العربية من بين ظهرانينا، من يتعامل معها ويقبل بتأييدها وتسليحها له، بل ويقبل اعتلاء السلطة والحكم على رماح القوى الأجنبية، كما حدث في العراق.

من ناحية أخرى، فإن الحديث عن دور القوى الغربية على النحو الذي أسلفنا الإشارة إليه، يفتقد، رغم الحقائق التي يستند إليها، إلى الوضوح ومعرفة السنن الكونية في الصراع على النفوذ والهيمنة، وذلك يعني أن هذه القوى لن تتوقف عن التدخل في شؤوننا، طالما بقيت أوضاعنا على ما هي عليه، أي طالما وجدت أرضية مهيأة لهذا التدخل من قبل أطراف محلية تستقوي بها، ولن تتوقف كذلك عن التدخل في شؤوننا، لمجرد أننا نشجب هذا التدخل وندينه بأقصى العبارات.

بل على العكس، طالما نفتقد نحن إلى المناعة الداخلية، وطالما استمرت حلقة التردي والتدهور والانحطاط التي نعانى منها، فإن تدخل هذه القوى سيزداد ويتعزز مفعوله في واقعنا، ذلك أن أوراق الشجر لا تسقط لمجرد أن الريح يعصف بها، بل كذلك لأن هذه الأوراق ضعيفة الارتباط بالشجرة، وهو ما يعرضها للسقوط، حتى لو لم تهب الرياح.

وليس ذلك دفاعاً عن الغرب، فهو ليس بحاجة لمن يدافع عنه، ولكنه دفاعاً عن أنفسنا، أي لفت انتباهنا إلى مواطن ضعفنا والثغرات القائمة في مجتمعاتنا.

الأكثر مشاركة