القضية الكردية ما بعد داعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

المعارك ضد تنظيم داعش في العراق وفي سوريا تقترب من نهاياتها وخلال ذلك تتشعب التكهنات حول مستقبل الصراعات في هذين البلدين وفي عموم المنطقة.

فمع أن الحرب على هذا التنظيم تسببت بتهدئة صراعات كانت في طريقها نحو التصعيد إلا أنها من جانب آخر دفعت هذه الصراعات نحو المزيد من التعقيد بعد أن فرضت استحقاقات جديدة للقوى التي شاركت بفاعلية فيها وبعد أن أصبحت قضاياها جزءاً من أجندة إقليمية ليست مصالح الدول العظمى ببعيدة عنها.

في هذا السياق تطل القضية الكردية بقوة فارضة نفسها على المعادلات المحتملة لمستقبل المنطقة، فالكرد هم القوة الوحيدة الضاربة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم داعش في سوريا والقوة الثانية بعد الجيش في الحرب على هذا التنظيم في العراق.

الحرب على تنظيم داعش دفعت بالقضية الكردية في ثلاثة بلدان، العراق وسوريا وإيران، إلى طور جديد من الاهتمام على المستويين الإقليمي والدولي.

فقد أتاحت لكرد العراق فرصة فرض سيطرة الإقليم الكردي على مساحات واسعة من سهل نينوى إضافة إلى السيطرة على مناطق أخرى في محافظتي كركوك وديالى مما سيضع الحكومة العراقية بعد الانتهاء من هذه الحرب أمام أمر واقع فيه قدر كبير من الالتباسات قد تستغرق سنوات عديدة للوصول إلى تسويات حولها وفق المادة 140 من الدستور التي تختص بالتعامل مع المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل .

وهي مناطق شديدة التعقيد دينياً وعرقياً، حيث يقطن فيها مسيحيون من أصول آشورية وسريانية كما يسكنها إيزيدون وشبك وعرب وتركمان وكرد، هذا إن لم تندلع الحروب قبل ذلك لحسمها عسكرياً في تصعيد لن تكون القوى الإقليمية بعيدة عنه.

أما على محور سوريا فقد دفعت الحرب على هذا التنظيم القضية الكردية فيها إلى واجهة الأحداث ونقلت عملية التصدي الكردي المسلح لهذا التنظيم من قضية قتال للدفاع عن النفس إلى قضية قتال يصب في صالح حلم قومي بعد أن فرض المقاتلون الكرد واقعاً على الأرض من غير الممكن الاستفادة منه من دون أن يحظوا بفرصة أفضل لعرض قضيتهم القومية على الأسرة الدولية مستفيدين من احتضان الولايات المتحدة.

في السياق نفسه عاد كرد إيران لتفعيل وتصعيد صراعهم مع حكومة طهران، صراع طويل مر بمراحل عديدة بين مد وجزر وانتصار وانكسار على مدى عشرات السنين، فقد بدأ المقاتلون الكرد في إيران بخوض معارك مع قوات الحرس الثوري لم يسلم إقليم كردستان العراق من التعرض لشظاياها فحسب بل تجاوز ذلك إلى تعرضه لمخاطر جدية طالت أمنه ووجوده حين عمدت قيادات في الحرس الثوري إلى توجيه تهديدات باجتياحه متهمين إياه بدعم المسلحين الكرد.

تركيا التي تراقب الأحداث عن كثب تشعر بالقلق الشديد للتطورات الجارية على حدودها في الشمال السوري حيث بدأ كرد سوريا يعززون مواقعهم وخاصة أن لها ماضياً مثقلاً بالصراعات الدموية حول القضية الكردية منذ العام 1984.

وليس من المستبعد في أجواء المتغيرات السريعة والدراماتيكية في المنطقة أن تتراجع أولوياتها، في سياق النهج الجديد الذي اختطه الرئيس أردوغان الذي يتسم بسرعة الانفتاح على خصومه، في الملف السوري ليصبح التصدي للقضية الكردية في الشمال السوري على رأس الأولويات بديلاً عن التصدي لنظام الرئيس الأسد.

ومع أن زيارة الرئيس التركي الأخيرة لنظيره الروسي في سانت بطرسبورغ تأتي في سياق مراجعة العلاقات بين البلدين، الاقتصادية منها خاصة، التي أصابها الكثير من الضرر بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية إلا أنها تأتي كذلك في ظروف خاصة جداً تمر بها العلاقات التركية مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوربي بقدر من التوتر على خلفية الانقلاب الفاشل والدعوات التي تتصاعد في الداخل التركي والتي تلقى التعاطف الصريح من قبل المسؤولين على أعلى المستويات لإعادة العمل بعقوبة الإعدام مما أثار حفيظة الاتحاد الأوربي ودفع ملف الدخول التركي للاتحاد مسافات بعيدة إلى الوراء.

إيران سارعت للدخول على خط التقارب الروسي التركي فقد قام وزير خارجيتها بزيارة تركيا للقاء مسؤولين أتراك على رأسهم الرئيس أردوغان. التنسيق المباشر في المواقف بين سوريا وتركيا وروسيا وإيران حول الملف السوري وبشكل غير مباشر مع إسرائيل يشكل من غير شك جزءاً من استراتيجية تستهوي روسيا لأنها تتركها من دون مناكفات من قبل دول الجوار السوري من جهة وتقرب تركيا نحو سياساتها بعيداً عن الخيمة الأمريكية من جهة أخرى.

وهو ما يصب في صالح الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى لتفكيك النظام العالمي القائم على الأحادية القطبية.

الالتفاف حول القضية الكردية يجري على قدم وساق، إيران من جانبها مستمرة في انتهاج العنف في مواجهة كردها وتركيا تبذل قصارى جهدها لمنع نشوء كيان كردي في سوريا، أما في العراق فالحشد الشعبي مُصر على أن يكون له حضور في معركة تحرير الموصل دعماً لبعض المناطق الشيعية في محافظة نينوى وللحد من الطموح الكردي وتحسباً لاتساع النزاع حول القضية الكردية في إيران التي بدأ كردها يتحركون عسكرياً ضد النظام مطالبين بحقوقهم القومية. أما روسيا صاحبة الصوت الأعلى في المسرح السوري فموقفها غير معروف حيث تضاربت الأخبار حول مدى صحة افتتاح مكتب للحزب الديموقراطي الكردي السوري في موسكو.

 

Email