ليس حباً في هيلاري لكن كرهاً في ترامب

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين الهزل والتراجيديا، تمضي انتخابات الرئاسة الأميركية، أمامنا ثلاثة شهور قبل الانتخابات، كانت فيما مضى –ومهما كانت هذه المنافسة– تبدو مثل الكرنفالات السياسية، الآن يتحول الأمر إلى سيل لا يتوقف من الأحداث المضحكات المبكيات، وإلى خوف من مخاطر حقيقية تتجاوز العملية الانتخابية إلى النظام السياسي الذي يحكم الدولة الأعظم، ومدى حاجته إلى تغيير حقيقي، ومدى قدرته على مواجهة مخاطر في الداخل لم يواجهها من زمن بعيد.

قبل أن تبدأ الاستعدادات داخل الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي) لهذه الانتخابات، كانت معظم التوقعات ترجح كفة الجمهوريين في انتخابات الرئاسة لأسباب عديدة، منها الرغبة في التغيير بعد ثماني سنوات من حكم أوباما الديمقراطي، ومنها الإحساس بأنه رغم إنجازات أوباما الداخلية، إلا أن سياساته الخارجية تعطي صورة لأميركا المتراجعة أمام عودة روسيا القوية في مناطق عديدة منها الشرق الأوسط. ومنها تصاعد الدعوة لأميركا قوية تواجه التحديات خاصة بعد الأزمة التي يواجهها أقرب حلفائها وهو الاتحاد الأوروبي.

حشد الجمهوريون عدداً من أبرز الأسماء لديهم في مقدمتها «جيب بوش» أخو الرئيس السابق بوش الابن، وابن الرئيس الأسبق بوش الأب، وفجأة ظهر الملياردير «ترامب» ليقلب الطاولة على كل المرشحين وليتحول من مجرد «مهرج» في بداية المنافسة، إلى المرشح الرسمي للحزب الجمهوري بعد أن أسقط كل منافسيه، وفرض نفسه على قيادات الحزب التي تتبرأ منه اليوم واحداً بعد الآخر، بعد سقطاته المتوالية، ليرد عليهم الرئيس أوباما: ولماذا اخترتموه إذا لم يكن يمثلكم؟!

المشهد اليوم في الحزب الجمهوري بائس للغاية، مرشح للرئاسة يجمع بين الجهل بكل أمور السياسة الداخلية والخارجية، وبين الصفاقة في إبداء آرائه العنصرية ضد المسلمين، والأميركيين من أصول لاتينية، والسود، يجمع حوله جمهوراً من الرجال البيض (لأن النساء يمثل أصواتهن لهيلاري كلينتون) ومن الذين يعانون من نتائج الركود الاقتصادي الذي يعم العالم، ومن اليمين المتطرف الذي يرى في الحزب الديمقراطي خطراً على النموذج الأميركي كما يراه منظرو الليبرالية الجديدة الذين قادت نظرياتهم العالم الرأسمالي على أزمته الحالية.

لكن.. حتى من تجمعوا حول ترامب ولو من باب التمرد على قيادة حزبهم الجمهوري، أو كراهية في الحزب الديمقراطي وسياسات أوباما، ومرشحة الحزب هيلاري كلينتون، يجدون أنفسهم اليوم مجبرين على مراجعة مواقفهم بعد الكوارث التي يرتكبها «ترامب».

خمسون من القيادات التي عملت في الإدارة الأميركية العليا مع الرؤساء الجمهورية الجمهوريين السابقين يعلنون أن «ترامب» كارثة حقيقية، وأنهم لن يعطوه أصواتهم حتى لا يضعوا مستقبل أميركا في يد لا تصلح على الإطلاق لتقود الدولة الأعظم في العالم.

19% حتى الآن من الناخبين الجمهوريين قالوا في أحدث استطلاع إنهم لا يمكن أن يعطوا أصواتهم لهذا الأحمق الذي يهين أسرة بطل ضحى بحياته من أجل أميركا علناً لأنها مسلمة، والذي يطالب بمنع دخول المسلمين لأميركا، وطرد الملايين من المقيمين فيها وبناء سور يفصلها عن المكسيك.. وربما عن العالم! الاستراتيجيون مصدومون بما فعله الجمهوريون باختيار «ترامب» لهذه الانتخابات ليسمع الأميركيون مرشحاً للرئاسة يطلب من الرئيس الروسي «بوتين» أن يساعده بالتجسس على منافسته! ويقول علناً إنه سيفك ارتباطاته بحلفائه في أوروبا والعالم لأنها تكلف أميركا الكثير! ويسأل الخبراء في اجتماع لم يستغرق أكثر من ساعة ثلاث مرات: إذا كنا نمتلك القنابل النووية.. فلماذا لا نستخدمها؟!

حتى الآن.. قاد «ترامب» ببراعة شديدة معركة إغراق الحزب الجمهوري في حالة فوضى غير مسبوقة. لدرجة أن البعض داخل قيادة الحزب بدأ يروج فكرة انسحاب «ترامب» وترشيح آخر، لكنني أظن أن ذلك يأتي من باب الضغط على «ترامب» لإجباره على شيء من الانضباط، والحد من الفضائح التي يمكن أن يثيرها في الفترة المقبلة.

ولا يأتي ذلك (حتى الآن على الأقل) من باب الحرص على حظوظ «ترامب» نفسه في المنافسة التي باتت شبه محسومة لهيلاري كلينتون لتكون المرشحة الديمقراطية الأولى التي تصل للرئاسة بفضل الحزب الجمهوري ومرشحه الكارثي! وإنما ربما يكون الدافع الآن هو الحفاظ على حظوظ الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس التي تجرى بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، والتي تشمل إعادة انتخاب كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ.

الخلافات بين قادة الحزب، وسلوك «ترامب»، سواء في القضايا العامة أو في عدم تأييده لعدد من أبرز مرشحي الحزب في انتخابات الكونغرس، وحالة الفوضى التي يمر بها الحزب، تعني احتمال اكتمال الكارثة بالنسبة للجمهوريين بفقدان سيطرتهم على الكونغرس الحالي، بالإضافة على رئاسة ستكون–على الأرجح– للديمقراطيين، ليس حباً في هيلاري، لكن كرهاً في ترامب!

Email