محمد بن راشد والحرص على الرقابة الإدارية وأثرها في الانضباط

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدر في الأيام الماضية مرسوم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، بتعيين عبدالله غباش مديراً للرقابة المالية، ومثل هذا المرسوم يدل دلاله كبيرة على أن سموه حريص على ضبط الأمور المالية في حكومة دبي، باعتبار سموه حاكماً لدبي، بالإضافة إلى منصبه الاتحادي كرئيس للوزراء، وباعتبار أن المال هو العصب أو الرافد الحيوي لأية تنمية، وباعتبار أن الضبط والربط في غاية الأهمية في هذا المرفق الذي بدونه يكون السير إلى الأمام صعباً وقد نفاجأ بأننا نعود إلى الوراء ونقع في أخاديد وحفر يتعذر المشي فيها.

وعبدالله غباش قبل اختياره وزيراً للدولة عام 2013، كان مديراً تنفيذياً لبنك أبوظبي الوطني في دبي، وعمل في هذا المصرف الكبير لأكثر من ربع قرن، وكانت كل الشواهد تدل على المهنية والكفائية والأمانة التي يتمتع بها هذا المصرفي، وفي رأيي أن القوس قد أعطيت لباريها، فالرقابة المالية مهنة لا يجيدها سوى من عركته التجارب العملية في إدارة المال بجانب الأمانة والاستقامة والشفافية في التعامل التي يتطلبها هذا العمل الهام.

ومن الطبيعي جداً أن تقع السلبيات في العمل الدؤوب من أجل البناء في أي مجتمع يأخذ على عاتقه السير إلى الأمام، ومثل هذه السلبيات نشاهدها ونسمع عنها حتى في أرقى المجتمعات وأكثرها في الانضباط الإداري، ولكن وجود الإدارة والرقابة الجيدة والمستمرة كفيلة بالحد من تفاقم السلبية وجعلها تنحصر في حدود ضيقة لا يتفشى ضررها، ومن هنا نجد في المجتمعات التي قطعت شوطاً بعيد المدى في الانضباط الإداري أن الرقابة على المؤسسات العامة تسير سيراً واعياً وتفتح أعينها على كل عامل إيجابي وسلبي، فتشجع العامل الإيجابي وتكافئه وتوقف العامل السلبي وتقطع أوصاله لكيلا يستمر في توسعة دائرة الخراب.

ونحن في هذه البلاد التي أكرمنا الله فيها بقيادة رشيدة تحسن العمل الذي تقوم به لصالح الناس، من الخير لنا أن نجاري المجتمعات المتقدمة في علوم الإدارة والرقابة، وهذا ما أعتقد أن النية متجهة إليه منذ البداية، وهذه المجاراة تعني المحاولة لخلق رقابة إدارية محكمة على كل مؤسسة للقطاع العام نصيب فيها، بحيث يكون مدير المؤسسة خاضعاً لمجلس إدارة مكون من أشخاص مستقلين لا يخضعون لتوجيهات غير تلك التوجيهات التي تصدرها القيادة، ويكونون في مأمن من بطش موظف عمومي أو عرقلة عملهم وما يمليه عليهم الواجب، والولاء للوطن وللقيادة.

ومن المعروف أن مهما كان الإداري الفرد يتمتع بالكفاءة والمهنية في إدارة عمله لكن في حاجة ماسة إلى ما يراه الغير من ملاحظات على إدارته، ومن الصعب على الفرد الإداري أن يقف على رأي الناس ما لم يتم لفت انتباهه من قبل عضو مجلس الإدارة المراقب.

ولا يختلف اثنان عندنا وعند غيرنا في منطقة الخليج أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في قيادته ودأبه الحثيث على البناء والعمران يضع نصب أعيننا أن الرقابة الإدارية وضبط أركانها عامل مهم، وأنها والتشييد يشد بعضه بعضاً، وبالتالي يكون التشييد متيناً خالياً من العيوب، وتجارب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في ميدان الرقابة والعمل على الضبط والربط تجارب عميقة ومتعددة، وهو الذي أحدث الإصلاح الإداري وإزالة الشوائب من مؤسسة الشرطة عام 1968، وقام بإصلاح إدارة جيش الاتحاد عند تكوينه عام 1971، وأحدث إصلاحاً لفت إليه الأنظار في شركات النفط وإدارتها التابعة لحكومة دبي في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وأصلح الجمارك ومكاتب للحكومة من إدارية ومالية وقانونية ومصرفية وقطع دابر مواطن السلبيات، وعمل جاهداً على الاستغناء عن موارد النفط والاعتماد على التجارة وجعل دبي مركزاً يشار إليه بالبنان وتشرئب إليه الأعناق، ولو أشرنا إلى مواقفه الشجاعة والجريئة عند وقوع الكساد العالمي عام 2008 ومواجهته للصعاب التي نتجت عن هذا الكساد والهلع الذي أصاب الناس، لكفى محمد بن راشد أن يكون في رأس المدبرين وذوي الرشادة من القادة والرؤساء.

ومن كل ما ذكرناه يتضح ويطمئن النفوس أن محمد بن راشد يقظ لا يستكين ولا يدع أمراً خطأً أن يستفحل ويتوسع، ومن الواجب علينا جميعاً أن نعاونه في خطى الإصلاح، وخاصة من قبل الصحافة والصحفيين والكتاب، ونعتبر أن الصحافة هي لسان حال الناس وحال القيادة والعين الساهرة التي تراقب وتشير إلى مواطن الضعف والقوة.

Email