الإعلام الأميركي يهمش ساندرز

ت + ت - الحجم الطبيعي

راسلني صديق عبر البريد الإلكتروني، وكتب لي، في ما يبدو أنها المرة الألف: «بيرني ساندرز يبلي بلاء حسناً، إلا أن ليس بوسعه، مهما حدث، الفوز بترشيح الحزب لخوض الانتخابات الأميركية».

وكان قد أرفق مقالاً من إحدى صحف البلاد الرائدة، يظهر وجود المرشح الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية، بيرني ساندرز، في مراحل متأخرة بالنسبة إلى المندوبين، لكن المقال أخفق في التمييز بين المندوبين المتميزين، وغالبيتهم العظمى ممن يلمون بدخائل الأمور في الحزب الديمقراطي ويدعمون هيلاري كلينتون، وبين المندوبين الملتزمين.

لدى المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون، اعتباراً من الآن، نسبة تقدر بنحو 24% من المندوبين الملتزمين، زيادة على ما لدى بيرني ساندرز.

ويظل ذلك فجوة هائلة، إلا أنه لا يجعل من ترشيح ساندرز أمراً مستحيلاً، إذ من المحتمل أن تتلاشى أسبقية هيلاري كلينتون في المندوبين المتميزين في حال كسب ساندرز غالبية المندوبين الملتزمين.

وقد حدث ذلك عام 2008، حينما عمد العديد من المندوبين المتميزين، الذين دعموها بشكل أولي، للانقلاب عليها في وقت لاحق، ليؤيدوا السيناتور باراك أوباما، وقتها.

كان ساندرز، منذ منتصف شهر مارس الماضي، في خضم سلسلة من النجاحات، حيث حقق فوزاً هائلاً في ست من المنافسات التمهيدية للحزب الديمقراطي من أصل سبع، وذلك بفوزه على هيلاري كلينتون بنسبة 40 نقطة مئوية أو أكثر في ولايات أيداهو، و يوتاه، وألاسكا، وهاواي، وواشنطن.

وقد حقق أخيراً الفوز في الانتخابات التمهيدية في ولاية ويسكونسن.

إن الحماس لبيرني ساندرز لا يتضاءل، بل يزداد، ففي ولايتي أيداهو وألاسكا حقق نسبة إقبال أولية للناخبين حطمت رقماً قياسياً، ليستقطب آلاف الناخبين الجدد، كما فعل الشيء ذاته في ولايات؛ كولورادو، كانساس، مين، وميشيغان. لقد جمعت حملة مرشح الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز خلال شهر مارس الماضي نحو 44 مليون دولار، وهو معدل شهري جديد مرتفع في سباقه، للوصول إلى البيت الأبيض.

ولقد تم تحطيم الرقم القياسي السابق لحملة التبرعات في شهر فبراير الماضي، حينما تم جمع نحو 43.5 مليون دولار بالمقارنة مع تبرعات حملة هيلاري كلينتون، التي قدرت بنحو 30 مليون دولار. وجاءت معظم أموال حملة ساندرز في صورة تبرعات صغيرة، وحتى اللحظة، تم جمع أكثر من 6.5 ملايين دولار كونها مساهمات من مليوني مانح فردي.

لا يزال بيرني ساندرز يجتذب حشوداً كبيرة، فقد تجمع نحو 18,500 شخص لسماعه، وهو يتحدث في ساوث برونكس، كما أن الشباب يستمرون في التدفق على حملته.

يقابل كل نجاح يحققه المرشح بيرني ساندرز بقصة أو عمود أو حديث يقدم رسالة مفادها: «لكن ليس بمقدوره الفوز بترشيح الحزب». السبب الحقيقي وراء عدم قدرة وسائل الإعلام الأميركية الكبرى على رؤية ما يحدث يكمن في وجودها داخل فقاعة الآراء السياسية للمؤسسة الديمقراطية، التي تتمركز في واشنطن، وفقاعة قوة المؤسسة، المتمركزة في نيويورك. لذلك فإن وسائل الإعلام تلك مهتمة بشكل أكبر بشخصيات المرشحين، والشعب، والوسائل الداعمة لهم.

وفي ذلك الإطار التوجيهي، يبدو من غير المنطقي فوز بيرني ساندرز بترشيح الحزب، فذلك الشخص الذي يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي، يهودي يبلغ من العمر 74 عاماً، ومن ولاية فيرمونت، وأصله من بروكلين، حتى إنه لم يكن عضواً في الحزب الديمقراطي حتى وقت قريب، كما أنه لم يكن، على الإطلاق، لاعباً أساسياً في دوائر السلطة والنفوذ في واشنطن أو مانهاتن، كما ليس بحوزته داعمون رئيسون بين نخب أميركا السياسية أو في الاتحادات، أو وول ستريت.

وبسبب اعتياد وسائل الإعلام الرئيسة على الشخصيات والسلطة، فإنها لم تصغِ لرسالة المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، أو لتأثيرها على الناخبين الديمقراطيين والمستقلين (شأن العديد من الجمهوريين).

إن وسائل الإعلام تجهل كيفية تقديم تقرير يتعلق بالحركات السياسية، ومع ذلك فإن جزءاً كبيراً من ترشيح بيرني ساندرز يتناول بشكل أقل شخصيته، وذلك بالمقارنة مع «الثورة السياسية» التي يريد أتباعه تحقيقها، ناهيك عن أن وسائل الإعلام تلك لم تلحظ مدى عزم الأميركيين على عكس اتجاه زيادة نمو الثروة والسلطة السياسية، التي باتت تقوض الاقتصاد والديمقراطية الأميركيين.

لذلك يمكننا فهم استمرار وسائل الإعلام في تهميش بيرني ساندرز، وكل ما يمثله، ولكن من المبكر للغاية اعتباره خارج الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وحتى في حال خسارته ترشيح الحزب، فإن الحركة التي أسهم في إحداثها لن تمر مرور الكرام، لأنها إحدى أكبر قصص عصرنا الحالي.

Email