حمرة الوجنتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أستطيع أن أدرك، هل هو يقتلني أم يقويني، فأنا بين الاستسلام للمرض والجسد الذي يحاربني وبين مقاومته لأحيا متغلباً على ألمي المزمن، ووحدهم يصارعون الألم ويعلمون كم هو الجسد بأعضائه الداخلية الحيوية ثقيل وعبء على صاحبه، فكل عضو مع هذا المرض أشبه بقنبلة موقوته قد ينفجر ألمها صارخاً ليرتعش الجسد خوفاً من أن تفيض الشراسة ويستمر الألم.

كم هي الأمراض المزمنة قاتلة وقاسية كما الذئاب تهاجم ضحاياها بلا رحمة من حيث لا ندري ونحن في غفوة أو سعادة، بعض هذه الأمراض توارثناها بلا ذنب اقترفناه، وأخرى مصادفة في أتون هذه الحياة ومعتركها، وبعضها قلة في الوعي والوقاية، ولكن الأهم أن ذئباً ما دائماً متخفياً أو متنكراً يدخل حديقة أجسادنا لينقض علينا عضواً عضواً من الداخل والخارج دون هوادة.

ومن شدة الألم، صرخ أحد المرضى متألماً بأعلى صوته "يا ليتني كنت ثمرة بطاطا بلا أعضاء داخلية أقتلع كل مساحات الألم دون ألم ولا نزيف أو جراح، فأنا لم أعد الشخص ذاته الذي عرفته، لقد غيرني الألم والإقعاد المزمن، هل من أمل؟".

كان مصاباً بمرض ما يسمى "الذئبة الحمراء" أو اللوبس LUPUS، وهو المرض الذي يسبب خللاً في جهاز المناعة حيث يفقد أحد أهم خواصه والتي تتمثل في التمييز بين الأجسام الغريبة المؤذية وأنسجة الجسم الطبيعية، وبذلك يستهدف جهاز المناعة لديه خلايا الجسم ويبدأ في محاربتها مسبباً التهابات من النوعين الحاد والمزمن وتلفاً في خلايا وأنسجة الجسم..

وبذلك تكون المعركة عبثية داخل جسم المريض، فيحارب الجسم نفسه فالضحية هي قاتلة نفسها، ويهاجم المرض المفاصل والأوعية الدموية والجلد والرئة والكبد والكلى والجهاز العصبي والقلب وحتى الدماغ نتيجة لنقص خلايا الدم والذي يتسبب بالتهابات الأغشية الداخلية للأعضاء.

سُمّي المرض "بالذئبة الحمراء"، ترجمة إلى الكلمات اللاتينية، وهي تصف الطفح أو التنقيط الجلدي والذي يشبه شكل الفراشة ويظهر على وجه المصاب ويشابه العلامات البيضاء الموجودة على وجه الذئبة، والأحمر مشتق من كلمة إغريقية تعني اللون الأحمر وهي تصف لون الطفح الجلدي.

علت الأصوات بتغيير الترجمة من كلمة "الذئبة" إلى "الفراشة" لأهمية البعد النفسي للمريض والمتعاملين معه، فالفراشة الحمراء على الوجنتين على الرغم من أنها أهم إشارة وعلامات المرض الظاهرة، وأشد ما يؤلم المريض أن محيطه قد لا يدرك حجم المعاناة التي يكابدها ليل نهار جراء التعب والهزال والألم والصداع، فإن هدأ المرض واستكان ومنح الجسد فسحة من الحياة والأمل، إلا أنه في حالة كمون قد يستفيق في أي لحظة ويعاود الهجوم شرساً كما الذئب دون رحمة.

ويؤثر هذا المرض بفراشته الحمراء على الجوانب النفسية للمريض، حيث تهاجمه الأفكار السلبية، ورغبة جامحة في الانعزال، والهزال في التفكير وعدم الوضوح ويصاب بالتفكير الضبابي إن حاول أن يجتهد ويتمرد على هزاله، مما يتطلب من المريض قدرات نفسية عالية تجعله يمارس رياضات صحية مثل اليوغا، والتنفس العميق وضبط إيقاعاته..

وتناول أنواع من الأطعمة لا تستفز الجهاز المناعي، كما أن لا يتعرض إلى أشعة الشمس المباشرة، أي بمعنى أدق هي حياة من نمط خاص جداً يُقيّد الجسد لأجل الجسد ومناعته. وما أصعب هذا النوع من الحياة، ولهذا فإن الدعم النفسي والعاطفي للمصابين من الأقارب والأصدقاء وتَفَهّم الحالة ومساندتها عاطفياً واجتماعياً يبعث الأمل في نفس المريض ويعوضه عن نقصانه.

وفي هذا السياق، فقد بعثت مريضة إلى أصدقائها رسالة قالت فيها: "أني أحارب أفكاري السلبية، ومزاجي المتوتر كما أحارب جسدي الذي يحاول أن يهزمني، اعذروني وسامحوني فأنا في معركتين نفسية وجسدية، أرجوكم، لا تتركوني وحيدة... كونوا معي لأنتصر على الاثنتين".

إن دعم المريض، أي مريض، من شأنه أن يقويه أمام التحدّي المزمن، أما إذا قابله الإهمال والاستهتار العائلي والاجتماعي، واعْتُبِرَ المرض مبالغة من صاحبه، فذلك يزيد المريض عزلة على عزلته وألماً على ألمه، ولا أشد ما قرأته في هذا الأمر أن أحد المصابين، تهكم عليه أصدقاؤه، بأن وصفوه بصيدلية متنقلة لا حاجة لها.

ولا أقل من قولٍ في هذا الأمر سوى أن أتوحد مع أولئك المتألمين على أسرتهم يقاتلون أجسادهم، فأقول: قَلْبِي حَوْلي وَبِه وَخَزٌ، يا ليْتَ قَلبِي قَلْبَ سِوايَ، أموتُ في حُمرة الوَجْنَتَيْن، وَيَا لَيتَنِي أذُوبُ على هَوَايَ. غَفَتْ راحة واستيقظ ألمٌ، فَكَيْفَ أنَام وَوَجعي دَوَايَ!!!

 

Email