في مواجهة وول ستريت مجدداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كنت لم تر فيلم «ذا بيغ شورت» الذي أخرجه وشارك في كتابته آدم مكاي، استناداً إلى العمل غير الروائي، الفائز بالجوائز، الذي كتبه مايكل لويس حول فقاعة الإسكان والائتمان، التي جلبت الكساد الكبير، فإنني أوصي بمشاهدته.

الفيلم ليس طريقة ممتعة فقط (إذا كان هذا هو الوصف الصحيح) لفهم كيف أن البنوك الكبيرة طردت ملايين الأميركيين من منازلهم ونالت من مدخراتهم ومن أعمالهم ومن ثم تم إنقاذها من قبل دافعي الضرائب، ولكنه أيضاً درس في فهم الأسباب التي تدفعها لفعل هذه الأشياء مجدداً وكيف أن سلطتها السياسية تواصل تقويض القوانين الموضوعة لمنع حدوث أزمة أخرى ولحماية مسؤوليها التنفيذيين من أي محاسبة؟

الأهم من ذلك، هو أن الفيلم يوضح لماذا تعد خطة بيرني ساندرز لتفتيت أكبر البنوك وإعادة التأكيد على قانون غلاس ستيغال (الذي يفصل الاستثمار عن الأعمال المصرفية التجارية) أمراً ضرورياً، ولماذا تعتبر خطة هيلاري كلينتون الأكثر تواضعاً غير كافية.

سأعود إلى بيرني وهيلاري حالاً، ولكن أولاً عليك أن تعلم لماذا تريد «وول ستريت» منا أن ننسى ما حصل بالفعل.

الفيلم يصور ما هي حقيقة المسألة. المضاربون في «وول ستريت» ضغطوا باتجاه قروض الرهن العقاري عالية المخاطر وجمعوها في الاستثمارات التي تخفي المخاطر، ودفعوا كبرى وكالات التصنيف الائتماني لإعطاء الحزم المالية تصنيف «إيه» ثلاثي، ومن ثم باعوها لمستثمرين غير واعين. وكان يجب على مخطط بونزي الاحتيالي هذا أن ينتهي هذه النهاية السيئة، وبالفعل حدث ذلك.

ومنذ ذلك الحين، حاولت «وول ستريت» والأشخاص المأجورين (بمن فيهم معظم المرشحين الجمهوريين للرئاسة) إعادة كتابة هذا التاريخ. يريدوننا أن نعتقد أن البنوك وبيوت الاستثمار كانوا ضحايا أبرياء لسياسات الحكومات المضللة، التي أعطت قروضاً للفقراء وما كان يجب أن تفعل ذلك.

هذا هراء محض. تركزت الطفرة في الرهون العقارية في الأسواق الخاصة وليس في الحكومة. «وول ستريت» ذاتها أوجدت سوق رهن عقارياً خطراً. فقد قسمت الرهون العقارية الصغيرة إلى حزم خبأت مدى السوء الذي تتصف به. وأوجدت المشتقات المالية والتزامات الرهن التي مولتها.

الحقيقة هي أن أكثر من 84 في المئة من الرهون العقارية عالية المخاطر عام 2006 أصدرت من قبل مؤسسات خاصة، إلى جانب ما يقارب 83 في المئة من قروض الرهن العقاري التي ذهبت إلى المقترضين ذوي الدخل المنخفض والمعتدل في ذاك العام.

لماذا دفعت «وول ستريت» بكذبتها ملقية باللوم في ما حصل على الحكومة؟ ولماذا هاجمت «وول ستريت» الفيلم بشراسة؟

لكي لا نطالب بفرض قوانين أقوى لمنع حدوث أزمات أخرى، تعقبها حملة إنقاذ على أساس أن هذه البنوك (أكبر من أن تفشل). وهذا ما يعيدنا إلى بيرني وهيلاري. هيلاري كلينتون لا تريد وضع حد للبنوك الكبيرة أو إعادة إحياء قانون «غلاس ستيغال» على غرار ما يفعل بيرني.

وعوضاً عن ذلك، تريد أن تزيد الرسوم على البنوك الكبيرة قليلاً كي تتحمل الكثير من الديون، وأن تشرف عليها بحذر أكبر. تريد أيضاً إعطاء منظمي البنوك سلطة أكبر لتفتيت أي بنك يعتبرونه على وجه التحديد بنكاً خطيراً. وتريد مزيداً من الرقابة بشأن ما يسمى «بنوك الظل» مثل صناديق التحوط وشركات التأمين مثل بنك «إيه آي جي» سيئ السمعة.

في عالم، لا تحظى بنوك «وول ستريت» العملاقة بسلطة سياسية كبيرة، فإن هذه الإجراءات قد تكون كافية.

ولكن، في حال لم تلحظ فإن «وول ستريت» تمتلك سلطة غير تقليدية، وهو ما يساعد في تفسير لماذا لم يتهم أي مسؤول في «وول ستريت» بأي سلوك مخادع قاد إلى الانهيار المفاجئ الذي حدث عام 2008، أو بالتسوية الجنائية لخطة إصلاح الأسعار التي وضعت العام الماضي. ولماذا أن الغرامات المفروضة على البنوك كانت جزءاً بسيطاً من مكاسبها؟!

وأيضاً لماذا جرى تهميش قانون دود فرانك إلى حد التبخر. وعلى سبيل المثال، يطالب القانون البنوك الرئيسية بتحضير «وصايا حية» توضح كيف ستقلص عملياتها في حال واجهت مشكلة حقيقية. ولكن ما من بنك كبير جاء بوصية يمكن اعتمادها. ووجد المحققون الفيدراليون أن جميع تلك الوصايا «غير حقيقية».

معظم الاقتراحات التي تقدمت بها كلينتون يمكنها أن توضع موضع التطبيق من خلال الاحتياطي الاتحادي وهيئة العملات والأوراق المالية، ولكنها لم تطبق بسبب عضلات وول ستريت.

ومن الناحية العملية، فإن اقتراحاتها تعد دعوات لمزيد من التخفيف. الطريقة الوحيدة لاحتواء تجاوزات وول ستريت هي من خلال التصدي لسلطاته الاقتصادية والسياسية بشكل مباشر، حيث الإصلاحات كبيرة وواضحة وعامة جداً بحيث لا يمكن تجاوزها. والبدء بمواجهة أكبر البنوك، كما اقترح بيرني ساندرز.

منذ أكثر من قرن من الزمن، حاول تيدي روزفلت تحجيم شركة «ستاندرد أويل ترست» لأنها شكلت خطراً على اقتصاد الولايات المتحدة. اليوم، تفرض أكبر بنوك «وول ستريت» خطراً أكبر. وهذه البنوك أكبر من ما كانت عليه قبل انهيارها عام 2008.

وما لم يجر تفتيت هذه البنوك ويعاد إحياء قانون «غلاس ستيغال»، فإننا سنواجه مخاطر كبيرة بانهيار قريب، يهدد مجدداً مداخيل ووظائف ومدخرات وبيوت ملايين الأميركيين.

وبحسب ما قال الفيلسوف جورج سانتاينا فإن هؤلاء الذين لا يستطيعون تذكر أنهم أصيبوا بالفشل بسبب «وول ستريت» مدانون بأن يصبحوا معرضين للخيانة مرة أخرى.

 

Email