عام القراءة.. دكاكين أو مكتبات بيع الكتب في الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الكتب تباع على المصطبات بأعداد قليلة في كل من دبي والشارقة اللتين كانتا مقراً لغالبية التجار، وأهل اليسار في الإمارات، ومعظم هذه الكتب، كتب فقهية وتاريخية وتراثية، وكانت هذه الكتب ترد الى الشارقة ودبي من قبل أناس كانوا يقرأون أو لديهم إلمام بالقراءة والكتابة من أمثال المطاوعة وبعض التجار.

وكان بعض شيوخ العلم والقضاء يحتفظون بكتب في بيوتهم، وإذا عنّ له أن يفتي ويصدر رأياً في حكم من الأحكام فإنه يراجع هذه الكتب ويستند إليها في إصدار حكمه أو رأيه ويقول لمستفتيه: إنه (بيراجع الكتاب)، أي أنه سيراجع كتاباً من كتب الفقه ليطلع على الرأي الصحيح.

وكان بعض هؤلاء يحتفظ بكتب خارج حدود الفقه والسنة ككتب الشعر، وخاصة ديوان المتنبي وأبي تمام وكتب أدبية كالمستطرف والعقد الفريد، وكان السيد الشنقيطي/ السيد محمد الشنقيطي الذي كان قاضياً معروفاً في دبي، أحد اللذين يقرأ الكتب الأدبية من شعر وغيره.

وكنت أراه يجالس السيد هاشم الهاشمي، الذي كنت أذهب إليه لأتعلم منه الإنشاء، ويستشهد الشنقيطي بطرائف أدبية وبالشعر، وكان فقيهاً متضلعاً وذا دراية واسعة بعلوم العربية، وكانت تعجبه حكميات أبي الطيب، وكان يردد دائماً أبيات شعر حكيمة، وكان يعجبه هذا البيت للمتنبي..

وأبرأ نفسي عن جزاء بغيبة

وكل اغتياب جهد من لا له جهد

المكتبة الأولى:

أول من فتح مكتبة لبيع الكتب في دبي في العشرينيات من القرن الماضي هو أحمد محمد الحلو، وكان يأتي بكتبه من الهند بواسطة من يسافرون إلى الهند – كراتشي وبمبي، وكانت هناك مطابع في هاتين المدينتين تطبع كتباً عربية، وأشهر هذه المطابع كانت في بمبي بالهند، حيث كانت هناك جالية عربية كبيرة مقيمة، وتعود بعض الكتب العربية والفارسية المطبوعة في الهند إلى ما يزيد على مئتي عام مضت.

كما كانت الكتب تأتي من العراق عن طريق الكويت والبحرين، وعندما انتقل بعض المطاوعة والشيوخ من أهل فارس من لنجة إلى دبي أتوا بمعيتهم كتباً فقهية، كثيرة، وكانوا يدرسون فيها على يد فقيه لنجة وعالمها المعروف الشيخ عبد الرحمن، سلطان العلماء.. الذي تتلمذ على يديه بعض شيوخ العلم من الإمارات.

وفي مقدمتهم الشيخ مبارك بن علي الشامسي، والشيخ علي الجناحي الذي كان مستشاراً قضائياً للشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي الأسبق، رحمة الله عليه، وكان الشيخ علي كفيف البصر، ولكنه كان أعجوبة في معرفة الاختلاف بين الفقهاء وفي حفظ الحديث النبوي.

وبعد وفاة الحلو، أغلق دكانه في منتصف الثلاثينيات، ولم تفتح مكتبة أو دكان كتب إلا في أواخر الأربعينيات بواسطة صالح القرق في بر دبي، وكان القرق من المهتمين بالثقافة وعلى دراية بشيء من علوم العربية وآدابها، محباً للكتب.

وكان هو وأخوه كلاهما يمتهنان كتابة الرسائل وكانوا بين القلة من الناس الذين يحسنون الإنشاء، وصالح القرق هذا هو والد السفير، ورجل الأعمال المعروف عيسى القرق، ووالد الأستاذ الأديب والكاتب والشاعر محمد صالح القرق، وتوفي رحمة الله عليه، عام 1952، وأغلقت مكتبته أو دكانه في ذلك الوقت.

وبجانب هذا كانت هناك شخصية طريفة امتهن بيع الكتب، وكان يحمل صندوقاً شبيهاً بمصطبة على صدره متمنطقاً ولافاً به حول كتفيه، حاضناً إياه كما تحضن الأم وليدها، مكتبة متنقلة، يتجول بها عبد الله عبد الرحمن الأنصاري خلال ثلاثين سنة من بداية الخمسينات وحتى منتصف السبعينات أو بعد ذلك بقليل.

وكان عبد الله الأنصاري شخصية ظريفة وطريفة في آن، وكان كل الناس في الأسواق تعرف عبد الله، وتأنس إليه، وكان يلقي (النكتة) ويضحك الناس ويضحك معهم، بأصوات تثير ضحكاً، قبل الطرائف التي يرويها. وكان قارئاً يجادل المطاوعة والفقهاء في أحكام الدين مخّطئاً هذا ومصّوباً ذاك.

وكان له عملاء يأتون من عمان يشترون منه كتباً فقهية معينة، كإحياء علوم الدين للغزالي، أو كتاب الغزالي كما كان يسميه العامة، وكتب إحضار الجن، واشتريت منه كتاباً مرة كان يحمل عنواناً غريباً، وهو: كتاب الكباريت في إخراج العفاريت، وكتاب دلائل الخيرات، وأجزاء من المصحف الكريم. وكان عبد الله يذهب الى الشارقة لعرض كتبه أيضاً.

وكان الناس يدعونه عبد الله كتابي واشتهر بهذا الاسم. وفي أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم أنشأ الأخوان عبدالله وعبد الواحد الرستماني مكتبة لبيع الكتب والجرائد والصحف في دبي، التي كانت تأتي إلى الإمارات عن طريق الكويت من مصر وبلاد الشام ولبنان.

وها نحن نلجُ عاماً متميزاً، عام 2016، الذي دعا فيه صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للانكباب على القراءة والاستزادة من المعارف العامة في هذا الطريق السالك والممهد، طريق القراءة، للوقوف على كل ما أنتجته عقول الإنسان من العلوم والمعارف.

ولا بد من التنبيه أن تطوير التعليم الأكاديمي والاستثمار فيه أمر لا غنى عنه اليوم في أي مجتمع يريد اللحاق بالركب العالمي المتقدم، وأي تقاعس في هذا الاستثمار سوف يدفع بالمجتمع إلى التخلف.

ومن الضروري للغاية أن يصاحب الاستثمار في تطوير التعليم الأكاديمي تشجيع أفراد المجتمع على القراءة والاطلاع خارج المدرسة، وإذا أصبح الأكاديمي أو خريجي المدارس والمعاهد متقاعساً عن الاستزادة من المعارف بالقراءة، فإنه يأتي يوم يجد نفسه فيه صغيراً إذا التفت عليه المحافل كما يقول الشاعر:

وإنَّ كَبِير الْقَوْمِ لاَ علْمَ عِنْدَهُ

صَغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عَلَيهِ المحَافِلُ

Email